لماذا نقرأ التاريخ؟ وما الفائدة من الحديث عن الماضي؟ هذان السؤالان وغيرهما من الأسئلة المشابهة التي يرددها البعض في عالمنا العربي، والتي مفادها أنه يجب علينا أن نسلط الضوء على العلوم التي من شأنها أن تساعدنا في صناعة حاضر جميل، والتخطيط لمستقبل مشرق في عصر التكنولوجيا والتطور السريع. والحقيقة أن هذه الأفكار والتساؤلات شديدة الأهمية، ويجب علينا أن نجيب عليها بطريقة علمية، حتى تتضح الصورة للمشككين في دور التاريخ في صناعة الحاضر والمستقبل، وكيف تلعب الأحداث التي مضت دوراً كبيراً في سير الأحداث في عالمنا اليوم، وفي مستقبلنا المنشود، الأمر الذي دفع العظماء على مدى التاريخ إلى يومنا هذا إلى الاهتمام بدراسة الماضي، لكي يسهل عليهم استشراف المستقبل، فماذا يقول العلماء في ذلك؟
الأفراد هم محور التطور في كل مجتمع، وإذا أردنا أن نوجد مجتمعاً من العلماء والمخترعين فعلينا أن نزرع الثقة في نفوس الأفراد بأن لديهم القدرة على الاختراع والتطوير، بحيث تتكون لديهم الشخصية التي تستطيع أن تحفز نفسها بنفسها من خلال ثقتها بنفسها، ولن نتمكن من تحقيق ذلك إلا بالعودة إلى قراءة التاريخ، وهذه معلومة يشهد عليها علماء الدماغ والاجتماع للتاريخ، فقد أثبتت الدراسات التي قام بها العالم «سولومون آش» أن مخ الإنسان يسعى جاهداً إلى تكوين أفكار ووجهات نظر مشابهة للأفكار ووجهات النظر التي يتبناها المجتمع الذي ينتمي إليه، والمخ يفعل ذلك دون أن يشعر الإنسان بهذا الأمر، فالمخ يفضل أن يكون مخطئاً وموافقاً للآخرين على أن يكون محقاً وشاذاً عن المجموعة، وهذه الظاهرة تعرف باسم ظاهرة التأثير الاجتماعي المعياري، وهذا ما أكده عالم الأعصاب «دين برنيت». وعلى ضوء هذه الدراسات نستنتج أنه كما أن لكل فرد شخصيته المستقلة فإن للمجتمع شخصيته العظمى، التي غالباً ما تهيمن على شخصية الفرد وتؤثر في أفكاره، وهذا يقودنا إلى الاستنتاج الكبير، وهو أننا إذا أوجدنا شخصية قوية للمجتمع بالتالي سيستمد الأفراد قوتهم من قوة المجتمع، ولكن كيف نحقق ذلك؟
الإجابة هي بالتاريخ، فالذكريات والمواقف التي يمر بها الفرد هي من تشكل شخصيته وتمنحه الخبرة المطلوبة ليتجنب الوقوع في أخطاء الماضي ويستفيد من قراراته الصائبة، وكذلك المجتمع الذي يعتبر التاريخ هو مصدر خبراته، والأحداث التي مر بها عبر العصور هي من شكلت شخصيته التي نتعامل معها وبها اليوم، فعلينا أن نعيد قراءتنا لتاريخنا، ونعيد تاريخ العلوم لمجتمعنا الذي فقد ذاكرته العلمية، فتاريخنا مليء بعلماء الطب والفلك والهندسة والسياسة وغيرها من العلوم، وليس مجموعة من أشعار الجاهلية والأدب فقط، ولكنه أكبر من ذلك بكثير، وعندما ندرك ذلك الأمر ستعود لمجتمعنا شخصيته التي من خلالها سينشأ جيل من العلماء والمخترعين، والبداية ستكون من خلال القراءة الصحيحة للتاريخ.