يعدّ الوعي الإيجابي ركيزة أساسية في بناء المجتمعات ونهضتها، وتمكين قدرتها الذاتية على مواجهة التحديات، وصمودها أمام أي عواصف تستهدفها، ومواكبة التنافس العالمي في المجالات شتى، للوصول إلى هرم الحضارة، وتحقيق الريادة في الميادين كافة.
وهذا الوعي لا يتأتى إلا بتكريس القيم الوطنية والدينية والثقافة الإيجابية، والمنهجية الفكرية الراقية، التي تزود الفرد بقاعدة معرفية تنير له الطريق، باعتبار أن العلم أساس بناء الحضارات، كما تزوده بأنماط فكرية وسلوكية، وأخلاقيات ومهارات، تكون له سنداً في مسيرته الحياتية، وبمبادئ جوهرية تنمي لديه روح الولاء والانتماء، والشعور بالمسؤولية تجاه أسرته ومجتمعه ووطنه، والحرص على المصالح العليا للوطن واستقراره وازدهاره.
إن الوعي الإيجابي، محرك أساسي نحو التقدم والتطور، وصمام أمان للتحصين والوقاية، وهي تنطلق من قيم وثوابت راسخة في الوجدان، تجعل شجرة المجتمع تنمو نمواً طبيعياً، بجذورها التي تمثل ثوابتها وقيمها ومبادئها، وبأغصانها وفروعها التي تمثل تطورها، وفق أحدث العلوم والمعارف والمهارات والتقنيات، وبثمارها التي تمثل مزيجاً من هذا وذاك، وبدون تلك الجذور الثابتة الراسخة، يتحول المجتمع إلى أوراق متناثرة، تفرقها الرياح في أي اتجاه شاءت، فلا يبقى عند الفرد أي معيار أو قيمة يستند إليها، فينساق إلى أي فكرة، ويتأثر بأي شائعة، ويصبح أداة مطواعة لأي جهة أو أيديولوجيا، ويفتقد روح العطاء والهمة ليكون فرداً منتجاً صالحاً، يسهم في ازدهار وطنه وتقدمه.
والوعي الإيجابي ضرورة ملحة، فإن المجتمعات، بطبيعة الحال، تواجه تحديات متنوعة، سواء ما يتعلق منها بتداعيات الأزمات العالمية، والحروب والصراعات، أو ما يتعلق بتداعيات العولمة والفضاءات الإلكترونية المفتوحة، أو ما يتعلق بالهيمنة الثقافية، وأدواتها الإعلامية والاقتصادية والتقنية وغيرها، أو ما يتعلق بالأيديولوجيات التي تسعى لاختراق المجتمعات، والتي ترتبط بعضها بتنظيمات وتكتلات متطرفة، إلى غير ذلك من التحديات والتهديدات التي تستهدف الوعي الفردي والجمعي، وتتضمن نشر ثقافات سلبية في المجتمعات، بالإضافة إلى تحدي التنافس العالمي بين الدول، لامتلاك مقومات القوة والريادة في شتى المجالات، والتي تتطلب من المجتمعات أن تسعى لتكون في المقدمة، قويةً لا ضعيفة، مُؤثِّرةً لا متأثرة، تبني جسور التواصل الإنساني بتأثير إيجابي فعال.
وبمقدار تحلي المجتمعات بالوعي الإيجابي، تتمكن من مواجهة هذه التحديات ومواكبتها، وخاصة فئة الناشئة والشباب، الذين هم ركائز الأوطان، وأهم الشرائح فيها، ولذلك، لا بد من العناية بهذه الفئة عبر البرامج والمبادرات المتنوعة، كما تكمن أهمية المقررات الثقافية في الجامعات وغيرها، وضرورة رفدها بالمخرجات التي تواكب تحديات الواقع، ودور المؤسسات التعليمية عموماً في تكريس الثقافة الإيجابية لدى الطلاب والطالبات والمعلمين أنفسهم، عبر المناهج والبرامج والأنشطة وغيرها، وكذلك دور المؤسسات الدينية في تعزيز الوعي الإيجابي في المجتمعات، وكذلك دور المؤسسات الإعلامية، التي هي من أهم أدوات التأثير والقوة الناعمة، لتتكامل الجهود كلها في تعزيز الثقافة الإيجابية، التي تبني المجتمع، وتنهض به، وتمضي به نحو آفاق الريادة، تحت ظل القيادة الحكيمة، التي تحرص كل الحرص على بناء الإنسان، بناء واعياً متكاملاً، ليكون عضواً فعالاً في مسيرة الصدارة والريادة.
وكذلك، حينما نتكلم عن الوعي الإيجابي، فإن أول من نعني بذلك، هم أفراد الأسرة، وبالأخص الأبوان، اللذان هما رأس هذه المؤسسة، التي تمثل نواة المجتمع وأساسها، وعلى عاتقهما تقع مسؤولية تخريج أجيال واعية، ومن أهم ذلك، أن يكونا قدوة حسنة لأبنائهما، فمن أكثر العوامل المؤثرة في وعي الأبناء، ما يشاهدونه من الممارسات اليومية التي تصدر من والديهم، ولذلك، أول ما ينبغي هنا، أن يتحلى الوالدان بالوعي الإيجابي، ومن أهم ذلك، المحافظة على هذه المؤسسة الأسرية، وتأسيسها على التلاحم والتماسك والتعاون والمحبة، والتحلي بالحكمة والحنكة في إدارة المشكلات، والتطبيق العملي للقيم والمبادئ في المنزل، ومع الأبناء في حلهم وترحالهم، والتي تنعكس إيجاباً على الأبناء في واقعهم وحياتهم، فيرتقون في وعيهم الإيجابي، ويترسخ ذلك فيهم، عبر ما يمارسونه من سلوك إيجابي وتصرف سليم، فينشؤون على ذلك، ويعتادون عليه، والتربية بالقدوة الحسنة، من أعظم أنواع التربية، وأكثرها فائدة وتأثيراً.
إن الوعي الإيجابي صمام أمان، تتحطم على صخرته كل الأخطار والتهديدات، وتبنى على أساسه صروح التقدم والتطور والازدهار.