لا يوجد محتوى ضعيف، ولكن يوجد محتوى لم يتم تناوله أو الحديث عنه بالطريقة الصحيحة، فالمحتوى مجرد موضوع يستمد قوته وضعفه من الشخص الذي يريد الحديث عنه، ولو عدنا إلى قواميس اللغة لوجدنا أن المحتوى لا يسمى محتوى إلا إذا كان المتحدث عنه قادراً على الإلمام بجميع جوانبه وما يحويه من تفاصيل، فالأمر دائماً يعود إلى المتحدث عن الموضوع، فإذا كان المتحدث على إطلاع كبير بالموضوع ولديه المهارات الكتابية أو الخطابية التي تساعده على جذب اهتمام المتلقي، وإيصال المعلومات المتعلقة بالموضوع بالطريقة الصحيحة، عندها سيأخذ الموضوع صفة القوة، وسيصبح بإمكاننا أن نقول إنه محتوى، لأن المتحدث عنه تمكن من احتوائه، وإلا سيكون مجرد موضوع تمت المحاولة للحديث عنه.
ومن أكبر الأدلة على أن المحتوى يستمد قوته من المتحدث وليس من الحدث، أننا نرى الكثير من المتحدثين أو المؤلفين الذين لديهم القدرة على شد انتباه المستمع أو القارئ عند حديثهم عن بعض الموضوعات التي إذا تحدث عنها غيرهم لن يتمكنوا من شد انتباه الجمهور، والسبب يعود إلى نقطتين، الأولى هي امتلاكهم للمهارة و«الكاريزما» المطلوبة في هذا المجال، والثانية، هي أنهم أعطوا الموضوع ما يستحقه من الوقت في مرحلة الإعداد قبل التقديم، ومن المعلوم لدى الجميع أن ألذ أصناف الطعام هي الأطعمة التي يأخذ إعدادها وتحضيرها وقتاً قبل تقديمها، وكذلك الموضوعات التي نريد تقديمها للقارئ أو المستمع، إذا أعطيناها حقها في فترة الإعداد، فلن نخذل المتلقي عند تقديمها.
في كتاب: من الذي حرك قطعة الجبنة الخاصة بي؟، يتحدث الدكتور سبنسر جونسون عن قصة بطلها فأر يحاول البحث عن مكان الجبنة الذي اعتاد التسلل إليه قبل أن يتم تغييره، وخلال فترة وجيزة أصبح هذا الكتاب الصغير من أشهر الكتب في العالم، وتمت ترجمته إلى عدة لغات، وخلال عامين فقط بيعت منه 21 مليون نسخة حسب موقع أمازون، وهذا يعيدنا إلى الموضوع الأول، وهو أهمية المهارة العالية التي يتمتع بها الكاتب سبنسر جونسون، والتي مكنته من أن يجعل من قصة فأر يبحث عن جبنته الضائعة، قصة مليئة بالإثارة، وشديدة الأهمية، وكيف استطاع أن يجعل الكثير من الناس حول العالم يتعلمون الكثير من الدروس والعبر من خلال نشره لقصة قصيرة تتحدث عن جبنة وفأر، ونجاح هذا الكتاب يجعلنا نتيقن بأن المتحدث هو من يصنع أهمية الحدث، وأن أهمية الموضوع تكمن في كفاءة المتحدث عنه، فهو من يصنع المحتوى.