هناك حكمة في غاية الوضوح والبساطة خلاصتها: أنّ المشي بجانب البحر هو صنيع الفلاسفة، أما من أراد استخراج اللؤلؤ الثمين فلا بد له من مغامرة الغوص والمخاطرة بكل شيء في سبيل تحصيل المطلوب، فهذه هي معادلة البحر والغواص:
الجرأة والإقدام وركوب مَتْنِ المخاطرة في سبيل العثور على لؤلؤة البحر الثمينة، وقديماً حين كان حكماء العرب يريدون الثناء على امرأة فائقة الجمال كانوا يقولون: هذه لؤلؤة الغواص، في إشارة إلى تفرّدها واستحقاقها لكل ثمين وكريم من المهر الذي تستحقه ولسان الحال يقول: ومن يطلب الحسناء لم يغلُهُ المهر.
تأسيساً على هذه الحكمة البديعة في صدقها وبساطتها، يمكننا إضاءة الومضة القيادية الرائعة التي نشرها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، على حسابه في «إنستغرام» من خلال وسمه الشهير «ومضات قيادية» الذي أصبح واحداً من تقاليدنا الثقافية الراسخة.
حيث يحرص صاحب السموّ من خلال هذا الوسم الفعال على التواصل المنتظم مع أبناء شعبه وترسيخ قيم القيادة والمسؤولية في العقل والشخصية، بحيث يتم توظيف الخبرة الثرية والتجربة الثمينة لصاحب السموّ في إدارة الدولة في صياغة مثل هذه الومضات القصيرة الخاطفة المكثفة التي تُثري الوعي وتعمّق الإحساس بالمسؤولية، وتصقل الشخصية الوطنية، بحيث تكون قادرة على تحمّل مسؤولياتها بكل كفاءة وأمانة واقتدار.
«أقول لفريقي: في سباق التميز ليس هناك خط للنهاية».. في مطلع هذه الومضة الثمينة، يؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد على واحدة من أعمق القيم العملية في حياته هي فكرة الفريق الواحد الذي يعمل مع سموه، فهو حريص كل الحرص على زرع هذه الفكرة، بحيث تكون ممارسة يومية في حياة الدولة.
فقد انتهى عصر الرجل الفرد الذي يكون مسؤولاً عن تنفيذ كل شيء، فصاحب السمو يتحمّل مسؤولية عمل الفريق ولكن بعد توزيع المسؤوليات، بحيث يتحمّل كل فرد في الفريق مسؤولية عمله، فينتج عن هذه الحالة واقع فريد متميز يتميز ببذل أقصى الجهد في سبيل إنجاز عمل جماعي لا نظير له، وهو ما أصبح منهجاً متبعاً في جميع مسارات العمل في مسيرة التنمية.
وفي هذه الومضة يؤكّد صاحب السمو أنّ فريق العمل الذي يعمل معه ينطلق من قناعة راسخة بأن أفق العمل المبدع مفتوح على اللانهاية، وبحسب عبارة صاحب السمو «ليس هناك خط للنهاية» بمعنى أنّ مسيرة العمل والإنجاز لن تتوقف بل سيكون من طبيعتها أنّها كلما أنجزت إنجازاً، وضعت خطة لإنجاز أكثر تميزاً، وهكذا ستكون مسيرة العمل الدؤوب مع صاحب السموّ الذي تفوّق على جميع الظروف، وأنجز للوطن إنجازات كانت في عداد المستحيل، لكن قوة الإرادة وثبات العزيمة قادران بعون الله على تجاوز جميع الصعاب وتخطي جميع العقبات والتحديات.
«وهذه العبارة تصبح أكثر واقعية كل يوم، عندما نَعِدُ نفي بالوعد» ولكي لا يكون الكلام في إطار المثاليات العصيّة على التطبيق والوعود التي تدغدغ المشاعر يبدد صاحب السموّ كلّ هذه الهواجس حين يجزم بأنّ هذه العبارة التي سبقت من أنّ العمل مع صاحب السموّ مفتوح على الأفق البعيد وليس له نهاية، هي حقيقة واقعية تؤكد صدقها المنجزات المرئية على أرض الواقع.
فهي ليست مجرد أحلام وأمنيات بل هي ثمرة سعي حثيث دؤوب نحو تحقيق جميع الأحلام والوعود التي يجزم صاحب السمو، وهو رجل القول والفعل، أنّه إذا وعد وفّى بالوعد، فهذا هو المسار الناظم لحركة التنمية في بلدنا الطيب الأصيل بفضل النظرة السديدة لصاحب السموّ الذي رسّخ في أعماق شعبه قيمة العمل وأهمية الإنجاز والإبداع.
«نحن جميعاً لدينا أحلام، لكن القائد فقط هو من يمكنه تحويل هذه الأحلام إلى حقيقة» في هذا الجزء من الومضة يؤكد صاحب السموّ أنّ الفطرة الإنسانية والطبيعة البشرية دائماً تهجس بتحقيق الأحلام وبلوغ الأمنيات، لكن هذه الأمنيات والهواجس لا قيمة لها إذا لم تكن مصحوبة بالعمل الشاق القادر على تحقيقها، والقائد الجسور الشجاع مهما كان موقعه هو الذي يحوّل الأمنيات إلى حقائق تنتعش بها الروح، ويشعر معها الإنسان بقيمة الجهد المبذول في سبيل بناء الوطن النموذج بالجهد والتعب وليس بالكلام الفارغ والأمنيات الجوفاء.
«كلنا نخاطر في الحياة، لكن هل تعلم ما هو الخطر الأكبر؟ أن لا تخاطر على الإطلاق» وبهذه الكلمات الرائعة المدهشة يختم صاحب السمو هذه الومضة المحتدمة بالروح والمعنويات العالية، وكأنّ هذه الكلمات هي جوهر الومضة، فهو يؤكّد أننا جميعاً نخاطر في الحياة لأنّ ذلك من طبيعة الحياة، ولكنه يحذّر بقوة من الخطر الأكبر الذي يتجنبه كثير من أصحاب القلوب الضعيفة الذين يعيشون على هذه الأرض في انكماش وخوف وترقب ولا يجرؤ أحدهم على ركوب خيل المخاطرة والمغامرة.
فهؤلاء يعيشون على هذه الأرض ويغادرونها ولا يشعرون بروعة الإنسانية التي تقوم في جوهرها على مواجهة التحديات وتذليل العقبات، بحيث يكون للحياة طعم خاص بها، فالحياة الساكنة الرتيبة لا قيمة لها، وهي غير دالة على طاقة الإنسان الحقيقية، وهو ما يحرص صاحب السمو على مواجهته وتجفيف منابعه في الوجدان الوطني، فهو بحكم خبرته الطويلة يعرف ما ينتج عن ثقافة الخوف والحذر الزائد، وامتلاء القلب بالهواجس، وكثيراً ما يذكر صاحب السمو في أحاديثه وكتاباته أنّ معظم المشاريع الكبرى في الوطن كانت تُجابه بالرفض والحذر من قبل المستشارين.
لكن صاحب القلب الجسور طيب الذكرى المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، كان يستشير ثم يجزم باتخاذ القرار الصعب غير المتوقع ليصبح ذلك إرثاً سياسيّاً وإداريّاً يحرص وارث مجده صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد على السير على هديٍ منه، وترسيخ هذه القيم القيادية في الشخصية الوطنية التي تثق به وتسير خلفه بكل ثقة ومحبة وإخلاص.