هناك بعض الملاحظات التي تلعب دوراً مهماً عند التفكير بالرأي القائل إنه من الممكن إزالة الكربون من الاقتصاد العالمي من دون تغيير جذري في أنماط حياتنا.

أبدأ أولاً بـ «هوية كايا»، تلك المطابقة الرياضية التي تنص على أنه يمكن التعبير عن المستوى الإجمالي لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون كمنتج من أربعة عوامل: عدد السكان، كثافة الطاقة (انبعاثات الكربون لكل دولار من الناتج المحلي الإجمالي)، نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وكثافة الكربون (الانبعاثات لكل وحدة طاقة مستهلكة). وكما يظهر من «هوية كايا»، يتطلب الحد من الانبعاثات حسابياً إما خفض كثافة الكربون في الناتج المحلي الإجمالي، أو جعل الشخص العادي أكثر فقراً، أو تقليص عدد السكان. بعبارات أخرى، إما النمو الأخضر الذي يستخدم الموارد بطريقة مستدامة، أو «تراجع النمو»، أو برنامج يتراوح من مناهضة الولادة في أحسن الأحوال إلى تحسين النسل في أسوأ الأحوال. ونظراً لأن إزالة الكربون أمر ضروري، فما سيكون عليه الأمر؟!

في الممارسة العملية، لا يعني مصطلح «إزالة الكربون» حرفياً انبعاثات ثاني أكسيد كربون صفرية، ذلك أن «الصافي» في «صافي صفر» يعني توليد انبعاثات بالفعل مع مزجها بأنشطة تزيل الكربون من الغلاف الجوي بالقدر ذاته. ويمكن أن يؤدي غرس المزيد من الأشجار إلى انبعاثات صفر جزئياً، ولهذا، أكد كبير المستشارين الاقتصاديين السابق للحكومة الهندية، أرفيند سوبرامانيان، أن تقنيات «الكربون السلبي» يجب أن يكون جزءاً من الحل. وأشار إلى أنه مقارنة بمصادر الطاقة المتجددة، فإننا نستثمر أقل من اللازم في مثل تلك التقنيات، بما في ذلك تخزين الكربون في الخزانات الجوفية أو المغمورة، واحتجاز ثاني أكسيد الكربون أو غازات الدفيئة التي يتم إطلاقها مباشرة من الهواء.

لكن هناك الآن الكثير من الشكوك حول إمكانية أن تصل معدلات الكربون السالب إلى شيء يذكر. لكن السماح بانبعاثات بعض الكربون على الأقل على أساس «إجمالي»، يعني وفقاً لـ «هوية كايا» أننا قد لا نحتاج إلى خفض كثافة الكربون أو الدخل أو السكان وصولاً إلى الصفر، أو ما يقرب الصفر.

مع ذلك، لا أعتقد أن «التحكم في عدد السكان» و«تراجع النمو» يشكلان أسس استراتيجية سياسة مفيدة، حتى بالنسبة لأهداف خفض الانبعاثات الأكثر تواضعاً. أولا، لأن السماح للفقراء بالتمتع بالنمو الاقتصادي لا يمثل خطراً على الأجندة الخضراء. لماذا؟ لأن ما ينتجونه من انبعاثات قليل جداً في الوقت الحالي بحيث يمكنهم حتى الانخراط في نمو «ملوث» لبعض الوقت قبل إحداث فرق كبير. وأشارت عالمة البيئة ونائبة رئيس مجموعة العمل في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، ديانا اورغ فورساتز، إلى أن 10 في المئة من الأفراد ذوي الدخل الأعلى في العالم مسؤولون عن نصف انبعاثات الكربون، فيما ينتج النصف الأفقر من البشر 10في المئة فقط من جميع الانبعاثات العالمية.

ويقترح المدافعون عن «تراجع النمو» أن الأمر يتعلق بخفض سكان البلدان الغنية (ويفترض الأغنياء في البلدان الفقيرة) استهلاكهم، لكنني أجد المقترح غير مقنع أيضاً. والسبب هو أنه لن ينجح ما لم يكن هناك تراجع شديد القسوة في مستوى الحياة المادية. وفي مقابلة مع الخبير الاقتصادي، برانكو ميلانوفيتش، أشار إلى أن «الناس لا يدركون أن متوسط الدخل في الدول الغربية يشكل 91 في المئة من الدخل العالمي، لذلك حتى لو تم جلب الجميع إلى هذا المتوسط في البلدان الغنية، وهو في الواقع خسارة في الدخل لـ 50 في المئة من الناس، لن تحل المشكلة». وإذا كانت هناك رغبة في تقليص القوة الشرائية لسكان البلدان الغنية، يشير سوبرامانيان إلى أن التجارة ستضر بالدول الفقيرة أيضاً.

تراجع النمو

وأحياناً، يتحدث الناس عن «تراجع النمو» على انه يعني ببساطة تقليل استهلاك المواد التي ننتجها. ويمكن القيام بذلك عن طريق تحويل الاستهلاك من السلع المادية إلى الخدمات أو الترفيه، ويمكن القيام بذلك عن طريق التغيير المنهجي الذي يقلل من احتياجاتنا المادية. من الأمثلة على ذلك تصميم منازل تحتاج إلى تدفئة أقل أو مدن لا تحتاج إلى كثير من السيارات. عندها بالفعل نكون قد انتقلنا للحديث عن خفض الكربون في الناتج المحلي الإجمالي أو في الدخل أو في الثروة، وليس الناتج المحلي الإجمالي أو الدخل أو الثروة نفسها. وهذا ما يعنيه النمو الأخضر.

وهذا النمو يحدث بالفعل على حد ما، حيث تعمل عدد من البلدان على «فصل» النمو عن الانبعاثات، ففي بريطانيا كان الناتج المحلي الإجمالي ونصيب الفرد من انبعاثات الكربون في اتجاهين متعاكسين ويتم «الفصل» حتى عند احتساب الكربون المتجسد في الإنتاج المنقول إلى الخارج مثل الصين.

والسؤال هنا ليس ما إذا كان ذلك ممكناً، بل ما إذا كان يمكن أن يحدث بالسرعة الكافية، أو يذهب بعيداً بما فيه الكفاية، أو يتم تنفيذه من قبل عدد كاف من (أو جميع) البلدان.

ولتكوين رأي حول هذا الأمر لننظر إلى مصدر انبعاثات الكربون. وكما اتضح فهو في الغالب من استخدام الطاقة، لا سيما في الصناعة والمباني والنقل، ثم تأتي الزراعة واستخدام الأراضي والعمليات الصناعية والنفايات. فلنبدأ بالنظر إلى وسائل النقل ونزور النرويج حيث معظم السيارات الجديدة المباعة كهربائية في تلك الدولة الباردة ذات المسافات الطويلة، وهذا ما فعلته بفرض ضرائب على السيارات التقليدية ومكافأة السيارات الكهربائية.

وما يصح على النقل يصح على استخدامات الطاقة الأخرى، إذ يمكن كهربة كل شيء تقريباً، وإزالة الكربون من توليد الكهرباء. ويبقى التحدي في الطيران والى حد ما الشحن، ولكن حتى في تلك القطاعات هناك تقدم تكنولوجي خال من الكربون. أما بالنسبة إلى مصادر الانبعاثات المتبقية مثل مواد البناء البديلة (هناك الأبراج الشاهقة المصنوعة من الخشب بدلاً من الفولاذ والأسمنت) أو الزراعة عالية التقنية وإعادة التحريج قد تكون جزءاً من الحل. أما النقطة المهمة فهي أن التكنولوجيا موجودة لإزالة الكربون تقريباً من كل شيء نعتمد عليه في أنماط حياتنا المادية، وبالتالي فان إزالة الكربون تتوافق مع الحفاظ على أنماط حياتنا.

محاذير

ويوجد اثنان من المحاذير في النظام. فلا تزال التكنولوجيا التي تنقلنا إلى صافي صفر انبعاثات تستنفد الموارد الأخرى (الأرض النادرة اللازمة للبطاريات) أو تسبب مشكلات بيئية أخرى. وتبقى حجة التفاؤل التقني هنا متعلقة فقط بصافي صفر كربون. وعلى الرغم من أنه من الممكن تقنياً إزالة الكربون من أنماط حياتنا، إلا أن ذلك سيظل باهظ الثمن. وتقدر وكالة الطاقة الدولية الاستثمار السنوي المطلوب عند 4 تريليونات دولار، أي ما يقرب من 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي الحالي. ولن نصل إلى هناك بدون ضريبة الكربون التي نشعر أنها تحرمنا من الرفاهية الاقتصادية، وتقضي على العديد من الوظائف كثيفة الكربون.

ويمكن إعادة توزيع عائدات ضريبة الكربون كأرباح لصالح أولئك الذين هم في أمس الحاجة إليها، وإذا كانت أبحاث صندوق النقد الدولي الأخيرة صحيحة، فإن وضع الوظائف ليس بالسوء الذي كان عليه أثناء تراجع التصنيع. الأهم أن كل هذا يتوافق مع تمتع المزيد من الناس بأنماط حياة الطبقة المتوسطة في البلدان الغنية. وفيما من الصعب الوصول إلى صافي صفر انبعاثات، لن يكون الوضع مؤلماً ما أن نصل إليه.