منذ سنوات عدة، أذكر أنني قد قرأت مقالة عن طريقة تفكير الشركات الكبرى والتعريفات المختلفة لنجاح الشركات، وبينما يتفق العديد من الاقتصاديين والرأسماليين على أن الربح الصافي هو المعيار الأساسي الوحيد المهم، فإنني، إلى جانب العديد من الشركات الأخرى، أود أن أقول إن المدى الحقيقي للشركات الكبرى يتجاوز حدود الربح ويشمل تأثيرها الإيجابي الصافي على المجتمعات التي تعمل فيها، إنه طبيعة تأثيرها على الموظفين والشركاء والمستهلكين، وإلى حدٍ كبيرٍ، على المدن والدول التي تنمو فيها. اليوم في دولة الإمارات، نحن محظوظون لأن لدينا قطاعاً تجارياً ولوجستياً كبيراً؛ وأعتقد أن مشهد أعمالنا وأهميته الدولية كان سيكون مختلفاً تماماً مع ذلك لولا وجود موانئ دبي العالمية. 

قبل فترة طويلة من تأسيس الإمارات العربية المتحدة كدولة منذ أكثر من خمسين عاماً، كانت مكانتها كمركز تجاري يربط الشرق الأقصى بأوروبا يعود تاريخه إلى أكثر من 4000 عام، حيث تم العثور على حوالي 12.000 قطعة أثرية مدفونة على بعد 60 كيلومتراً تقريباً من المكان الذي ازدهرت فيه دبي منذ ذلك الحين. من درب المعادن حي ساروق الحديد الذي تم اكتشافه أخيراً، والذي بلغ ذروته خلال العصر الحديدي، إلى مكانة الإمارة المعروفة على نطاق أوسع في مجال اللؤلؤ، كانت التجارة دائماً أكثر من مجرد أعمال تركز على الإيرادات بل كانت أسلوب حياة أدى إلى تشكيل الأفكار الثقافية والإبداعية.

قبل عقود عدة من توحيد الإمارات، كان خور دبي وخور خان في الشارقة المجاورة من بين الوجهات التجارية الرئيسية في المنطقة، حيث كانت السفن التجارية ترسو على الشواطئ وتنتظر الصنادل لتفريغ شحناتها في الجمارك. ومع ذلك، نظراً لزيادة الطمي في الشواطئ، كان من الضروري تجريف الخور في عام 1959 ومرة أخرى في عقد السبعينيات، وبينما كان الغرض من استيراد رافعة رصيف ميكانيكية من اسكتلندا تحسين الكفاءة، نجحت في عمل تحسين طفيف فقط بسبب حجم البضائع القادمة. يتم تفريغ معظم الشحنات على الرمال، ثم سحب بعض الشحنات بمعرفة العمال أو الحمير أو الشاحنات، إذا كنت محظوظاً، إلى المستودعات، أو أماكن الحفظ، قبل تجهيزها للاستلام أو التوزيع. 

بالإضافة إلى آثار الكساد الاقتصادي العالمي في الفترة من 1973 إلى 1975 وكدولة ناشئة كانت المقامرة على الاستثمار في ميناء راشد في عام 1972، قبل التوسع إلى جبل علي في عام 1976، وبعد ذلك الانتهاء من المرحلة الأولى من التنمية بحلول عام 1979، بلا شك أحد المخاطر، ولكنها كانت تستند إلى الاعتقاد الراسخ بأن دولة الإمارات تمتلك في جعبتها ما هو أكثر من سلعها التقليدية تاريخياً. 

بحلول الثمانينيات، تطور ميناء راشد ليصبح ميناءً رئيسياً، حيث كان يتم إعادة تصدير قرابة 70% من حاوياته بدلاً من إدخالها مدينة دبي. وفي الوقت نفسه، كان ميناء جبل علي يكافح - ليس فقط بسبب بُعده المتصور عن دبي ولكن أيضاً بسبب عقد إدارته، الذي ذهب إلى شركة سيلاند شيبينج الأمريكية، مما جعل شركات الشحن الأخرى تتردد في استخدامه. 

وكما ورد في تقرير جون كوثبرت، «تاريخ الخدمات اللوجستية بدولة الإمارات الذي يمتد إلى 40 عاماً»، بحلول عام 1990، واجهت حكومة دبي معضلة. كانت تمتلك ميناءين - ميناء جبل علي وميناء راشد. وقد خضع كل ميناء إلى إدارة مقاول مختلف تنافسوا في العمل، حيث كانوا يتنافسون مع بعضهم البعض على الأعمال نفسها. كانت الفيضانات تغطي ميناء راشد الذي طلب من الحكومة ضخ استثمارات ضخمة في المراسي الجديدة وأعمال التجريف والمعدات. كان ميناء جبل علي يحقق الحد الأدنى من الإنتاجية ومرافقه غير مستغلة على الإطلاق. وجاء رد حكومة دبي بإنهاء عقدي الإدارة واستيعاب إدارة وموظفي كلا الميناءين في شركة جديدة مملوكة للحكومة (ولكن مستقلة تجارياً) تُسمّى هيئة موانئ دبي. تم التغلب على مقاومة خطوط الشحن من خلال تقديم حوافز للانتقال إلى ميناء جبل علي وتغير تصور المرسل إليهم من خلال استخدام أسطول الشاحنات الخاص بميناء جبل علي لنقل الحاويات بين الميناءين دون أي تكلفة على المرسل إليهم. وكانت النتيجة الصافية هي بدء زيادة الإنتاجية في كلا الميناءين. وبحلول أواخر التسعينيات، أصبح من الواضح أن ميناء جبل علي لم يكن لديه مساحة كافية للتعامل مع توقعات البضائع المستقبلية أو استيعاب إنتاجية ميناء راشد في حالة اتخاذ القرار الاستراتيجي بإغلاق ميناء راشد. ولطالما كان موقع ميناء راشد في وسط دبي ميزةً كبيرةً في بداياته، ولكن مع زيادة حركة مرور مركبات النقل الثقيل على الطرق الناتجة عن عمليات ميناء راشد وتوسع دبي أصبحت حركة المرور في ميناء راشد تشكل خطراً على البيئة وعلى سلامة الطرق بالنسبة للمسافرين في الوقت الحالي. وفي نهاية المطاف، تم إجراء توسعات كبيرة في ميناء جبل علي في مطلع القرن 21 مما مكّن ميناء راشد من إغلاق عملياته في عام 2008. 

تأسست موانئ دبي العالمية في ثوبها العصري من خلال دمج هيئة موانئ دبي وموانئ دبي الدولية في عام 2005، ومنذ ذلك الحين برزت كواحدة من أكبر مشغلي الموانئ في العالم، حيث يتم مناولة أكثر من 70.000 سفينة عبر 82 محطة بحرية وداخلية موجودة في أكثر من 40 دولة. ونتيجة لذلك، وبفضل هذا التطوير أصبحت مسؤولة عن حوالي 10% من حجم حركة الحاويات في العالم. 

وبعيداً عن الفوائد الواضحة المترتبة على زيادة حجم التجارة، حققت موانئ دبي العالمية محطتين رئيسيتين في إنجازاتها غالباً ما يتم تجاهلهما. أولاً، من خلال تأسيس العلامة التجارية الإماراتية كشريك تعاوني ومستثمر استراتيجي، عززت وعياً أكبر بمكانة دبي كوجهة للتجارة والسياحة. ثانياً، يمكن النظر إلى نجاح موانئ دبي العالمية على نطاق واسع باعتبارها محركاً لتطوير قطاع الموانئ والخدمات اللوجستية سريع النمو في أبوظبي.

بعد إطلاق استراتيجيتها الاستثمارية الأجنبية المباشرة قبل ست سنوات فقط من اكتمال تشكيلها، تعاونت شركة موانئ دبي الدولية بالفعل في محطة الحاويات الجنوبية بجدة قبل تطوير عمليات الموانئ في جيبوتي وفيزاج وكونستانتسا. ولم تكن هذه سوى الخطوات الأولية لما سيصبح أهم فترة استثمار استراتيجي لشركة موانئ دبي العالمية.

بعد المزايدة على شركة Hutchison Whampoa Ltd وشركة PSA، وغيرهما، استحوذت شركة موانئ دبي الدولية على أصول الموانئ العالمية لشركة CSX Corp الكائنة في الولايات المتحدة في صفقة قيمتها 1.15 مليار دولار تضمنت عمليات الموانئ الحالية الحرجة في هونغ كونغ والصين وأستراليا وألمانيا. وشملت أيضاً بونتا كاسيدو بجمهورية الدومينيكان، وهو ميناء يتعامل مع أكثر من 60% من الحصة السوقية للدولة، ومنذ ذلك الحين أصبح واحداً من أهم المراكز التجارية في منطقة الأمريكتين ومن بين أفضل 15 ميناءً على مستوى أمريكا اللاتينية. 

محطات الحاويات

وبعد عام واحد فقط، في عام 2006، اشترت موانئ دبي العالمية شركة P&O، وهي رابع أكبر مشغل موانئ في العالم، بعد أن تفوق عرضها على العرض الذي قدمته شركة PSA السنغافورية في صفقة تضمنت 29 ميناءً في 19 دولة، بما في ذلك محطات الحاويات في سيدني وملبورن وبريسبان وفريمانتل في أستراليا، ومحطتي ساوثامبتون وتيلبوري في المملكة المتحدة، بالإضافة إلى العديد من الموانئ في جميع أنحاء أمريكا الشمالية، بما في ذلك كندا، حيث توسعت العمليات الآن لتشمل برينس روبيرت وفانكوفر ونانيامو وفريزر ساري. 

وتشمل الموانئ الحيوية الأخرى، التي تم الاستحواذ عليها بمرور الوقت ولكن في الآونة الأخيرة فقط بالإجمالي، موانئ دبي العالمية - سانتوس، التي بدأت بحصة أقلية في عام 2009 قبل شرائها في ديسمبر 2017. واليوم، تُعد هذه المحطة واحدة من أكبر المحطات متعددة الأغراض وأحدثها في البرازيل، وتمتد على مساحة 848.500 متر مربع، وتتميز بموقع استراتيجي بجوار الطريق السريع وشبكة السكك الحديدية. وبفضل رصيفها المجهز تقنياً، يمكن لموانئ دبي العالمية سانتوس التعامل مع ما يصل إلى أربع سفن سوبر بوست باناماكس في وقت واحد، مما يحقق حجم تجارة سنوي يتخطى حاجز 1.2 مليون وحدة مكافئة لعشرين قدماً. 

ويمكن القول إن الشركة خطت أعظم خطواتها الرئيسية في يونيو 2007، عندما طرحت على المستثمرين حصة نسبتها 19.55% تمثل 3,245.3 مليون سهم من خلال الطرح العام الأولي في نوفمبر 2007. لم يرتفع الطلب على الأسهم أكثر من المعروض بمقدار 15 مرة فحسب، بل إن عائداته التي بلغت 4.22 مليارات دولار جعلته في ذلك الوقت أكبر اكتتاب عام أولي على مستوى منطقة الشرق الأوسط.

ومع إجراء المزيد من الاستثمارات الكبيرة في السنوات اللاحقة، وعلى وجه الخصوص، بوابة لندن (London Gateway) وميناء بربرة وإنشاء ميناء للمياه العميقة بقيمة 1.13 مليار دولار في ندايان بالقرب من العاصمة السنغالية داكار، من الإنصاف القول إنه في أقل من عقدين فقط، استحقت موانئ دبي العالمية اسمها عن جدارة، بعد أن وطئت أقدامها كل ركن من أركان العالم تقريباً. 

لا تعتمد موانئ دبي العالمية مطلقاً على أمجادها، وتركز تركيزاً واضحاً على تعزيز القيمة والسلامة والاستدامة في جميع أصولها، وتواصل الاستفادة من الرقمنة في جميع جوانب مؤسستها مع البحث عن طرق جديدة لتوفير الوقت من خلال التطبيق العملي للتكنولوجيا. 

وبفضل مشاريع مثل موانئ دبي العالمية للشحن السريع، والتي ستتيح إمكانية «الشحن بسرعة الطيران وأقرب إلى تكلفة النقل بالشاحنات»، أو BoxBay، التي يتم تجريبها حالياً في جبل علي، وتتيح الوصول المباشر إلى الحاويات من خلال نظام تكديس مؤتمت بالكامل يصل ارتفاعه إلى أحد عشر طابقاً، أدركت موانئ دبي العالمية أين تكمن نقاط قوتها وكيف يمكنها تعظيم القيمة لعملائها وشركائها. 

واسترشاداً بمبادئها الأربعة لخلق النمو والتحفيز على تحقيق النتائج ومساعدة الآخرين على التميز والتكيف والتطور، تحتل موانئ دبي العالمية بلا منازع الريادة في مجتمع مشغلي الموانئ والمنظمات التجارية التي أعادت وضع دولة الإمارات بنجاح كمركز تجاري عالمي مع توسيع نطاق نفوذها. وسواءً كنت تعتبرها مجرد شركة أم أداة لبناء الأمة لعبت دوراً مهماً في تطوير دولة الإمارات، تواصل موانئ دبي العالمية عملها كسفير بعيد المدى لدولة الإمارات ودورها المتنامي باستمرار في التجارة العالمية. 

بالنسبة لي، يُعتبر هذا مثالاً عملياً على المثل اليوناني القائل «ينمو المجتمع بشكل عظيم عندما يزرع كبار السّن أشجاراً يعرفون أنهم لن يجلسوا في ظلها أبداً».