ساد فهم خاطئ بين أفراد المجتمع بشأن مفهوم غسيل الأموال أو تبييض الأموال، حيث ذهب بعضهم بقولهم إنها مجموعة من الأموال يتم غسيلها لتغيير هيئتها ثم تداولها، وذهب الآخر أنها أموال يتم غسلها وتنظيفها مما يعد جرماً لعدم احترام تلك العملات الوطنية، إلا أن الراجح من التسمية قد ظهر لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية خلال السبعينيات عندما لاحظ رجال مكافحة المخدرات أن تجار المخدرات الذين يبيعون للمدمنين بالتجزئة يتجمع لديهم في نهاية كل عملية فئات صغيرة من النقود الورقية والمعدنية، وهي غالباً ما تكون ملوثة بآثار المخدرات التي ربما تكون عالقة في أيدي تجار التجزئة، فحرصت على غسل هذه النقود الملوثة قبل إيداعها في المصارف التي توجد بها حساباتهم، مما يدل أن تلك الأموال المتحصلة ملوثة وتحتاج إلى غسل فسميت تلك العملية بغسيل الأموال.
جريمة غسل الأموال ظاهرة انتشرت في الآونة الأخيرة كمرض عضال، وأصبحت كالسوس ينخر في مفاصل الدول ويؤرقها، فغسيل الأموال هي الأموال المتحصلة والتي تسبغ عليها صفة المشروعية، وهي في الواقع أموال تم تحصيلها بصورة غير مشروعة من إحدى الجرائم، وقد ذهب جانب آخر من الفقه القانوني بتعريفها بأنها مجموعة من العمليات المتداخلة لإخفاء المصدر غير المشروع لأموال وإظهارها في صورة أموال متحصلة من مصدر مشروع، وعرفت من جانب آخر اللجنة المعنية بالإجراءات المالية «فاتف» جريمة غسيل الأموال بأنها: تحويل الممتلكات مع العلم بأن مصدرها جريمة بهدف إلغاء أو إخفاء الأصل غير المشروع لتلك الممتلكات أو مساعدة أي شخص مشترك في ارتكاب تلك الجريمة لتجنب العواقب القانونية لأعماله أو إلغائه أو إخفاء الطبيعة الحقيقية ومصدر ومكان وحركة وحقوق وملكية الممتلكات مع العلم بأن مصدرها جريمة أو شخص ساهم في ارتكابها.
وحيث إن جريمة غسيل الأموال أتت بسمات تتميز بها عن دونها من الجرائم الأخرى بأنها جريمة لاحقة لجريمة تم تحصيل الأموال غير المشروعة منها من مثل جرائم المخدرات والاتجار بها وغيرها من الجرائم الأخرى التي حددها المشرع الإماراتي في قانون الجرائم والعقوبات.
جرائم غسيل الأموال لها أثر كبير في التأثير على الاقتصاد الوطني وأيضاً العالمي، حيث إن مقومات تلك الأموال والأنشطة التجارية تكون عرضة لتلك الجريمة التي وقف المشرع الإماراتي أمامها ليقطع طريقها.
ولذلك تعد جريمة غسيل الأموال من أحدث الجرائم الاقتصادية المنظمة على كوكبنا الذي نعيش عليه، والتي تتمثل بمجموعة من التصرفات المتعددة، والتي تهدف إلى تغيير طبيعته وتنظيفه ليتم الاستفادة منها في مختلف القطاعات الأخرى، ولا شك أن في كل تطور ونمو اقتصادي وتجاري عقب الحرب العالمية الثانية وانفتاح التجارة عبر العقد التجاري أصبح يبرم بالوسائل الإلكترونية لما في ذلك من تحقيق للربح السريع في إبرام تلك العقود ونفاذها. إلا أن المشرع الإماراتي وقف سداً منيعاً لمثل تلك الجرائم التي تنخر في اقتصاد الدول وتحول دون تطورها، وذلك من خلال إجراءات صارمة وتشريعات مشددة كان لها دور عظيم وبناء في نمو واقتصاد الدولة، ومن جهود المشرع الإماراتي صدور مرسوم بقانون اتحادي رقم «20» في شأن مواجهة جرائم غسيل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة وكذلك اللائحة التنفيذية للمرسوم والتي تعد من أقوى وأشد التشريعات ضد تلك الجرائم لأهميتها في جذب الاستثمار وتعزيز الثقة والمصداقية في التعامل التجاري والاستثمار فيها بطرق آمنة وحافظة للحقوق، وقد توسع المشرع الإماراتي في معاقبة مرتكبي تلك الجرائم – المادة رقم 2 من القانون سالف الذكر البند 1 - وجعلها شاملة لكل الجرائم المقررة في قانون الجرائم والعقوبات، أي أن الأموال المتحصلة من جريمة أصلية متى ما كان الجاني عالماً بها وقد قام بتحويلها أو نقلها أو أجرى أي عملية بقصد إخفائها عد من مرتكبي جريمة غسيل الأموال ويعاقب وفق القانون سالف الذكر.
جهود دولة الإمارات العربية المتحدة واضحة وجلية في مكافحة مثل تلك الجرائم، والتعاون مع الدول الأخرى بشأن مكافحتها نهج انتهجته منذ قيامها، لعلمها يقيناً بتأثير مثل تلك الجرائم على الاقتصاد الوطني والاقتصاد العالمي وتسخير كل الجهود لمكافحتها لينعم العالم أجمع بالسلام والأمن دون وجود ثغرة أو مخبأ لمثل تلك الجرائم.