رصد الطبيعة والاهتمام بالتغير المناخي ليس أمراً جديداً علينا، فقد أيقظ القرآن الكريم روح البحث العلمي والفضول الهادف في المجتمع العربي والإسلامي، من خلال الآيات التي تدعو إلى التفكر والتدبر في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، وغيرها من مظاهر الطبيعة التي تستحق الدراسة والتأمل، الأمر الذي جعل العلماء والمؤرخين العرب يراقبون عن كثب حركة الظواهر الطبيعية في كتاباتهم، وقد استفاد العلماء والمهتمون بدراسة البراكين والطبيعة من وصف أبي الحسن المسعودي للبراكين في كتابه «مروج الذهب»، والذي وصف فيه بركان وادي برهوت، وبركان جزيرة صقلية، وصفاً دقيقاً ساعد المهتمين في هذا المجال على رسم صورة أكثر دقة لتاريخ الأرض الطبيعي، والجدير بالذكر أن كتاب «مروج الذهب» للمسعودي نشر في عام 336 للهجرة، وهذا يؤكد أسبقية اهتمام العلماء العرب بدراسة الطبيعة، ولكن، ماذا عن دراسة التغير المناخي؟
التغير المناخي ليس أمراً جديداً على المنطقة العربية، فقد كانت شبه الجزيرة العربية واليمن عبارة عن مجموعة من البراكين الثائرة، مثل بركان النار الذي كان ثائراً في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبركان ضروان في اليمن وهو الأشهر في عصر الجاهلية، بسبب ثورانه الكبير الذي لا يخفى على الناس آنذاك، ولأن الطبيعة ليست ثابتة والمناخ يتغير، اختفت أغلب تلك البراكين، ولم يبق منها سوى العيون الحارة لتسجل شهادتها على أن المنطقة كانت ذات يوم منطقة بركانية، وفي عهد ليس بالبعيد قام الرحالة الإنجليزي بيرترام توماس برحلة اجتاز فيها رمال الربع الخالي عام 1931 في 58 يوماً، واكتشف بيرترام بحيرة صغيرة من المياه المالحة، وبقايا لحيوانات وآثار تدل على أن البشر استوطنوا هذه المنطقة قديماً، الأمر الذي دفع العلماء والمختصين إلى دراسة هذه الآثار والاكتشافات، وبالأخص المياه المالحة في هذه المنطقة الصحراوية، وتوصلوا بعد ذلك إلى أن هذه المنطقة كانت في يوم من الأيام منطقة ساحلية، وفيها عدد لا يستهان به من المياه العذبة التي جذبت السكان إلى العيش فيها، ولكنها بفعل التغيرات المناخية فقدت الكثير من خصائصها الطبيعية، وانحسرت مياه البحر فيها، ونضبت المياه العذبة إلى أن أصبحت صحراء قاحلة.
مثل هذه الاكتشافات والسجلات التاريخية القديمة، التي دونها العلماء العرب وغيرهم، دليل على أهمية دراسة الطبيعة ومراقبة المناخ، ولذلك نجد أن الحافظ ابن كثير رحمه الله في كتاب «البداية والنهاية» كلما انتهى من الحديث عن عام من الأعوام، لابد أن يعطي وصفاً دقيقاً للظواهر الطبيعة والتغير المناخي الذي حدث في ذلك العام إن وجد، ولذلك علينا أن نقتدي بعلمائنا الأوائل، ونواكب علماء هذا العصر في دراسة التغير المناخي الذي يمر به العالم، وننشر الوعي في مجتمعنا حيال هذه الظاهرة، ولعل العمل الكبير الذي تقوم به وزارة التغير المناخي والبيئة في الدولة يستحق الثناء والشكر، وهذا دأب دولة الإمارات العربية المتحدة، دولة العلم والتقدم والتسامح والإنسانية.