عند فحص جودة الماس، من المتعارف عليه على نطاق واسع أنه يتعين وجود دراية ومعرفة بأربع خصائص رئيسية: القطع والنقاء واللون والقيراط. في طريقها نحو التحول إلى مركز عالمي، كانت هناك ثلاثة عوامل أخرى لعبت دوراً مهماً بنفس القدر في النمو السريع لدبي ومرونتها في هذا القطاع: المجتمع، والتعاون، والمناخ. ونتيجة لذلك، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة ليست فقط العاصمة الرسمية للماس الخام في العالم، بل إنها أيضاً المركز الأكبر والأسرع نمواً، حيث ارتفعت تجارتها في الماس المصقول بنسبة 52.5 في المائة كما ارتفعت تجارتها الإجمالية في النصف الأول من عام 2022 إلى 19.8 مليار دولار أمريكي، بزيادة سنوية بنسبة 24.7 في المائة. قبل نحو عشرين عاماً، بدأ مركز دبي للسلع المتعددة رحلته في قطاع الماس، سأسترجع وألقي نظرة على كيفية تطورنا وما الذي يمنح دبي جاذبيتها في قطاع كان في يوم من الأيام غير موجود.
لم تكن دبي من الجهات المنتجة ولا وجهة معروفة للماس كقطاع ناشئ في الإمارة أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ومع ذلك، فقد كان القطاع في مستهل استراتيجية طويلة الأجل ستزداد أهميتها بشكل مطّرد ضمن مجموعة واسعة من السلع، مع وجود الماس بشكل استراتيجي في قلبها. من خلال إدراك التحديات التي تواجه الصناعة العالمية وتقديم حلول موحدة ضمن ولاية قضائية واحدة، حققت دبي في عشرين عاماً فقط أكثر مما حققه العديد من منافسيها خلال قرن من الزمان، بدءاً من المجتمع.
بعد إنشاء بورصة دبي للماس في عام 2002، ساعدت مجموعة من العوامل الإمارة على تعزيز مكانتها كمركز للتجارة، من بينها تزايد شعبية الإمارة كوجهة لقضاء العطلات، وتزايد عدد المغتربين والبيئة المخصصة للأعمال لدى مركز دبي للسلع المتعددة، وفي غضون عشر سنوات فقط، تمكنت الإمارة من زيادة أحجام هذه التجارة إلى أكثر من 12.6 مليار دولار أمريكي للماس المصقول و11.4 مليار دولار أمريكي للماس الخام.
بالإضافة إلى بناء بورصة ناجحة، لا يمكن التقليل من أهمية إدراج العديد من المنظمات الرئيسية ضمن مجتمع مركز دبي للسلع المتعددة. كجزء من مؤتمر دبي الخامس للماس، والذي شارك فيه أكثر من 550 من قادة الصناعة لمناقشة «مستقبل الماس». وأتاح تنظيم «معرض دبي للمجوهرات والأحجار الكريمة والتكنولوجيا» واجتماع رؤساء الاتحاد العالمي لبورصات الماس لأصحاب المصلحة الفرصة للاطلاع عن كثب على كيفية وسبب تصميم المنظومة الخاصة بمركز دبي للسلع المتعددة في برج الماس لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة بين أصحاب المصلحة مع الاحتفاظ بجميع المرافق والخدمات الأساسية المطلوبة لدعم كل من الأمن والخدمات اللوجستية. وعلى الرغم من وجود عدد كبير جداً من المؤسسات التي يجب إدراجها في القائمة، إلا أن المنظمات الرئيسية الأخرى التي تجدر الإشارة إلى انضمامها إلى مجتمعنا تشمل «اتش آر دي أنتويرب (HRD Antwerp)»، الجهة الرائدة في أوروبا في مجال إصدار شهادات الماس، و«آي جي آي (IGI)»، وهي شركة رائدة عالمياً في مجال تقييم المجوهرات، وإنشاء «أكاديمية دبي للتصميم»، التي تقدم دورات في تصميم المجوهرات. تساهم في دعم جيل جديد من المبدعين المحليين لتحقيق أحلامهم، مع دعم قدرات الصناعة التحويلية.
بالنظر إلى المستقبل، يسعدني أن أؤكد أن من بين المستأجرين لدينا سيكون المعهد الأمريكي لعلوم الأحجار الكريمة (GIA)، الذي سيشغل مختبره الجديد (المسجل تحت اسم مختبر جي آي إيه م.د.م.س - GIA Laboratory DMCC) أكثر من 41000 قدم مربعة عبر طابقين من برج أبتاون بعقد إيجار لا يقل عن عشر سنوات. وتعليقاً على هذه الخطوة، قال توم موسيس، نائب الرئيس التنفيذي للمعهد وكبير مسؤولي المختبرات والأبحاث: «إن الأهمية المتزايدة لدبي كمركز للماس وبنيتها التحتية المتميزة تجعل مركز دبي للسلع المتعددة خياراً مثالياً لتوسيع كبير لقدرات وحضور المعهد الأمريكي لعلوم الأحجار الكريمة. وسيساعد القرب من أهم مراكز تصنيع وإنتاج الماس، بالإضافة إلى خطوط النقل الفعالة التي تربط مع أسواق الماس العالمية، في دعم عملائنا، والأهم من ذلك، تعزيز قدرتنا على تحقيق مهمتنا الحيوية المتمثلة في حماية المستهلك».
بينما ساهمت استضافة بعض الأعضاء الأكثر نفوذاً في مجتمع الماس العالمي في توفير الكثير من الدعم، فقد ساعد تعاوننا المباشر أيضاً في ترسيخ مكانة دبي من خلال توفير مقعد على الطاولة أو الظروف الملائمة لازدهار مجتمعنا. سواء من قبل مجلس الماس العالمي، حيث تم تعييني أنا وزميلي، الدكتور مارتن ليك، المستشار الخاص - الأحجار الكريمة، كسفراء لمبادرة «نظام الضمانات» لدى مجلس الماس العالمي، وصولاً إلى عملنا مع شركة «برينكس» (Brinks) لتصميم وتطوير وبناء أكبر خزينة في منطقة الشرق الأوسط، ساعدت كل خطوة في خدمة ودعم أصحاب المصلحة لدينا، مع الحفاظ على أعلى مستوى من المعايير الدولية.
يمكن القول إن أكبر خطوتين تعاونيتين تم اتخاذهما وكان لهما الأثر الأكبر هما أولاً، عملنا مع وزارة المالية لدعم قرار مجلس الوزراء الإماراتي بشأن آلية الاحتساب العكسي لضريبة القيمة المضافة، والتي تم تطبيقها على الذهب والماس والمعادن الثمينة. بينما أعلم أنني ذكرت هذا الأمر في المدونات السابقة، إلا أنني سأكرره مرة أخرى - بدون تطبيق هذا القرار، لن تكون هناك صناعة للذهب أو الماس في دبي. نقطة!
جاء التعاون التاريخي الثاني والأكثر حداثة بعد فترة وجيزة من توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية، والتي شهدت افتتاح مكاتب متبادلة في تل أبيب ودبي، على التوالي، مع افتتاح بورصة إسرائيل للماس مكتبها التمثيلي في بورصة دبي للماس على هامش افتتاح مؤتمر دبي للماس. ونتيجة لذلك، تمتع كلا البلدين بسهولة أكبر في ممارسة الأعمال التجارية مع توفير موقع أكثر ملاءمة للتجارة، حيث يقعان على مسافة قصيرة من مناطق إنتاج الماس في قارة إفريقيا وروسيا، بالإضافة إلى المستهلكين المهمين الآخرين وأسواق التصنيع، مثل الهند.
في ما يتعلق بالمناخ، فإن دبي محظوظة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فمن خلال مزيج من مستويات المعيشة المرتفعة ومعدلات الجريمة المنخفضة والطقس المعتدل، أصبح مركز دبي للسلع المتعددة مركزاً متعدد الثقافات، وهو ليس فقط مرتبطاً بشكل كبير بالرحلات المباشرة إلى مراكز الماس الأخرى، مثل تل أبيب وسورات، ولكنه أيضاً المكان الذي يرحّب بأصحاب الأعمال من جميع البلدان على قدم المساواة لممارسة أعمالهم في واحدة من أكثر البيئات أماناً من نوعها. بالإضافة إلى ذلك، تمكنت الإمارة أيضاً من التحرك مع مناخ التغيير نحو الاتجاه الأخلاقي المتزايد للماس الاصطناعي، فمع تزايد الطلب بنسبة 20 في المئة على أساس سنوي، أصبحت دبي مرة أخرى في وضع جيد يسمح لها بالاستفادة من هذا السوق الذي يبلغ حجمه 4 مليارات دولار.
إن مناخ دبي ليس خاصاً بالماس وحده، فقد ساعد أيضاً في تحفيز نمو قطاعات أخرى مماثلة، أحدثها الأحجار الملونة، فقد استضافت مزادات من ثاني أكبر منجم للزمرد في العالم حيث تم بيع أكبر ياقوتة خام بوزن قياسي بلغ 8400 قيراط في شهر أبريل من هذا العام. وبالنظر إلى المستقبل، يفخر مركز دبي للسلع المتعددة أيضاً باستضافة مزاد الياقوت العالمي في نهاية شهر نوفمبر.
مع تزايد المنافسة في المشهد التجاري، وقّعت دولة الإمارات العربية المتحدة بالفعل اتفاقية شراكة اقتصادية أوثق مع الهند في عام 2022 وتسعى إلى توقيع 35 اتفاقية مماثلة أخرى لمضاعفة الاقتصاد وتعزيز التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر في المستقبل القريب. بالإضافة إلى وضعه الحالي كواحد من أفضل مراكز تداول السلع العالمية، استناداً إلى عوامل الشراكة المحلية والتجارية، وعوامل توفير السلع والعوامل المؤسسية، فإن مرونة مركز دبي للسلع المتعددة في مواكبة الطلب مع تلبية كل جانب من جوانب هذه الصناعة الديناميكية للغاية تعني أننا لن نكون هنا على المدى الطويل فحسب، بل سنستمر في لعب دور أكثر أهمية في تطوير الصناعة بمسؤولية من أجل مستقبل أكثر إشراقاً وخالٍ من العيوب.
* الرئيس التنفيذي الأول والمدير التنفيذي لمركز دبي للسلع المتعددة