ألقت الحكومة الروسية بـ«قفاز التحدي» في وجه منافسيها الغربيين عندما اختارت شعار «الماس يصنع تحت الضغط» كعنوان للمحور الأول في المنتدى الاقتصادي الشرقي السابع الذي استضافته مدينة فلاديفوستوك الجميلة أقصى شرق البلاد، وتؤكد هذا العنوان الذي يتزامن مع مشاركة نحو 50 ألف جندي من 14 دولة تتقدمهم روسيا والصين والهند في مناورات الجيش الروسي «الشرق 2022»، أن روسيا عازمة على الاستفادة من كل «أوراق القوة» التي لديها من أجل إثبات وجهة نظرها بأن العالم يتخلص تدريجياً من هيمنة «القطب الواحد» إلى عالم متعدد الأقطاب.
تضحيات مليونية
تقوم حسابات موسكو على النظر بعمق في روح وعقل الأمة الروسية، وأن روسيا التي قدمت 28 مليون ضحية في الحرب العالمية الثانية في مقابل نحو 400 ألف فقط من الولايات المتحدة وبريطانيا، قادرة على تحمل الضغوط والعقوبات والخسائر الاقتصادية والعسكرية أكثر بكثير من توقعات الغرب، وأن روسيا التي خرجت من ركام الاتحاد السوفيتي السابق في 26 ديسمبر 1991 عادت بقوة للساحة الدولية بعد أقل من 10 سنوات على انفراط عقد حلف وارسو، ويتحدث الروس كثيراً عن قيصرهم بطرس الأكبر الذي تلقى أكثر من هزيمة على يد السويديين والفنلنديين لكنه عاد وانتصر في النهاية، ولهذا تعتقد روسيا أنها قادرة ليس فقط على التعامل مع التحديات التي تطرحها الولايات المتحدة وشركاؤها الغربيون بل تستطيع أن تخلق فرصة نادرة لتغيير مسار التاريخ والعالم من خلال التوجه نحو إدارة عالمية متعددة الأقطاب.
من هنا تعمل موسكو على مجموعة من الخطط البديلة لمواجهة الطرح الغربي بتحديد سقف لأسعار النفط والغاز واليورانيوم والفحم الروسي، وبالفعل استطاعت روسيا أن تخلق أسواقاً بديلة للغاز والنفط لدى مستهلكين آسيويين في مقدمتهم الصين والهند، ونقلت كميات من الغاز الذي كان مخصصاً لـ«نورد ستريم1»، وخط «يامال»، إلى أنابيب جديدة تنقل الغاز الروسي مباشرة للأراضي الصينية دون أن تمر بدولة ثالثة، ومن تلك الخطوط اتفاق موسكو وبكين على نقل كميات كبيرة من الغاز الروسي عبر خطوط «قوة سيبيريا1» و«قوة سيبيريا 2»، كما أن روسيا سبق لها أن أعلنت عن استراتيجية اقتصادية جديدة أطلقت عليها «أنبوب الشرق» التي تعتمد على استبدال الأسواق الآسيوية محل الأسواق الأوربية، وتتوقع موسكو من كتلة «البريكس» أن تكون منافساً قوياً لمجموعة الدول الصناعية السبع التي طردت روسيا منها عام 2014.
في المقابل ترى واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون أن الخطط الروسية سوف تفشل على كافة المستويات العسكرية والسياسية، فهناك حديث أمريكي بأن الاقتصاد الروسي سوف ينكمش في نهاية العام الجاري بنحو 5 % رغم الأداء القوي للروبل أمام الدولار، ويتم تصوير روسيا في الرسوم الكاريكاتيرية الأمريكية وكأنها «محطة بنزين» تبيع فقط النفط والغاز، وأن الاقتصاد الروسي سوف يعاني لأنه لا يتجاوز 1.8 تريليون دولار، وهو ما يعني أنه أقل بكثير من القيمة السوقية لإحدى شركات الهاتف المحمول الأمريكية.
رغم كل ما يقال عن الإستراتيجية الروسية والرؤية الغربية فإن «الإمعان في العداء» ليس في صالح أحد، وأن البحث عن اتفاق سلام هو ما يجب أن يعمل عليه الجميع دون تأخير.