رغم مرور 21 عاماً على أحداث 11 سبتمبر 2001 ما يزال السؤال الكبير مطروحاً وبقوة، هل نجحت الحرب على الإرهاب؟
وهل الولايات المتحدة والدول الكبرى ما تزال تخصص الموارد وترسم الخطط من أجل مكافحة الإرهاب والتنظيمات الظلامية في العالم؟ الجميع متفق على أن الولايات المتحدة دفعت ثمناً باهظاً في الحرب على الإرهاب، فوفق دراسة لجامعة براون الأمريكية، فإن واشنطن أنفقت نحو 4 تريليونات دولار على الحرب التي شملت 80 دولة، وسقط فيها نحو 924 ألف قتيل، منها نحو تريليون دولار على العراق وأفغانستان وحدهما.
كما ظلت استراتيجية الأمن القومي الأمريكي من سبتمبر 2001 وحتى 18 ديسمبر 2017 تنظر للإرهاب أنه الخطر الأكبر على الولايات المتحدة قبل أن يحول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الاهتمام نحو الصين وجنوب شرقي آسيا، فما أسباب عدم القضاء على الإرهاب بشكل جذري؟
الانتقائية
أكثر الانتقادات التي توجه للمجتمع الدولي في حربه على الإرهاب هي «الانتقائية»، سواء «انتقائية المكان» أو «انتقائية المجموعات الإرهابية»، فمثلاً «الانتقائية المكانية» في تركيز جهود التحالف الدولي الذي تأسس في سبتمبر 2014 على هزيمة ودحر «داعش» في سوريا والعراق، ونتيجة لهذا انتقل الإرهابيون إلى إفريقيا.
وهذا واضح تماماً في الانتشار غير المسبوق للتنظيمات الإرهابية في غربي إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، بل الوصول إلى منطقة البحيرات.
بالإضافة إلى تنظيم ما يعرف بالشباب المتغلغل في الصومال وكينيا ومنطقة القرن الإفريقي، نفس السيناريو تكرر في آسيا حيث يترعرع الإرهاب في منطقة آسيا الوسطى وجنوبي القوقاز وجنوبي وجنوب شرقي آسيا، حتى كاد «داعش» يؤسس دويلة له في منطقة مندناو جنوبي الفلبين، واستغرق إضعاف هذه الخلايا وقتاً وتضحيات كبيرة من الجيش الفلبيني.
كما تبذل دول كبيرة مثل إندونيسا جهوداً غير مسبوقة لاحتواء انتشار الأفكار المتطرفة في البلاد، وهي بلاد عرف عنها طويلاً التسامح وقبول الآخر، كما أن تقرير الأمم المتحدة حول مكافحة الإرهاب قال في أبريل الماضي إن عدد المنتسبين لـ«داعش» في أفغانستان تضاعف 4 مرات، وخاصة قرب الحدود الأفغانية الصينية، وحتى أوروبا نفسها ليست بعيدة عن هذا الخطر.
فرغم الصحوة الكبيرة لأجهزة المخابرات والشرطة الأوروبية بعد تفجيرات باريس عام 2015، إلا أن التقديرات تقول إن نحو 50 ألف أوروبي يحملون الأفكار الداعشية، وفق تقرير إيلكا سالمي، المفوض الأوربي لشؤون مكافحة الإرهاب، وخاصة أن السجون الأوروبية ينظر إليها في الآونة الأخيرة أنها «بيئة حاضنة» لنشر وتسويق الأفكار الإرهابية.
أين الخلل؟
لا أحد ينكر الجهود والتضحيات الضخمة التي قدمتها الدول في العالم أجمع من أجل مكافحة الإرهاب، ولكن غالبية هذه الجهود تنصب على «المكافحة الأمنية والاستخباراتية»، وهي بالطبع في غاية الأهمية، ولكن هناك معركة أخرى ينبغي للمجتمع الدولي أن يحقق فيها انتصاراً واضحاً وكاملاً وهي «معركة الأفكار».
لأن قتل إرهابي أو زعيم تنظيم إرهابي غالباً ما يخلفه من هو أشد منه تطرفاً في الذبح والقتل، ولهذا ينبغي أن تتزامن مع الجهود الأمنية والمعلوماتية جهود من رجال الدين والفكر والثقافة والإعلام تركز على هزيمة «الفكرة المتطرفة».
فالإرهابي قبل أن يحمل بندقية أو حزاماً ناسفاً يحمل «فكرة خاطئة»، ولو نجحت معركة الأفكار في تجفيف وخلع الأفكار الخاطئة لن يكون هناك عمل إرهابي من الأساس.
فالمعركة «فكرية بامتياز»، والعالم الذي قضى على «داعش» في سوريا والعراق، عليه أن يبدأ معركة جديدة بذات الزخم والحماس، ولكن هذه المرة ضد «الأفكار المتطرفة»، فهي المسار الصحيح لما يجب أن تكون عليه المعركة القادمة ضد الإرهابيين والمتطرفين.