تزامنت هذا العام الذكرى 21 لأحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة مع الحملات السياسية والإعلامية الأمريكية الممهّدة لانتخابات شهر نوفمبر المقبل، ومع تصاعد موضوع العنف والانتشار الكثيف للسلاح والقتل الجماعي في أمريكا، ما سيجعل هذا الموضوع جزءاً من القضايا الانتخابية التي ستأخذ اهتمام المرشحين والناخبين، حيث أعداد ضحايا العنف الداخلي سنوياً أضعاف عدد من سقطوا ضحية العنف «الخارجي» في العام 2001.
ما حدث في نيويورك وواشنطن في العام 2001 كان حتماً عملاً إرهابياً كبيراً ومأساةً إجرامية بكل التفاصيل والأبعاد والنتائج، ولم تجد واشنطن دولاً أخرى تختلف معها على ذلك، وعلى ضرورة معاقبة من خطط لهذا العمل الإرهابي الذي لم يسبق له مثيل داخل أمريكا أو خارجها، لكن وجدت واشنطن من اختلف معها في ظل إدارة بوش السابقة حول كيفية الرد وحدوده وأمكنته، وأيضاً حول مدى شمولية مفهوم الإرهاب لدى السلطات الأمريكية، فقد دخلت أمريكا بعد 11 سبتمبر 2001 حربها ضد «الإرهاب» كعدو، دون تحديد ماهية «العدو» ومفهوم «الإرهاب»
يوم 11 سبتمبر 2001 كان يوم انتشاء التطرف في العالم كله. يومٌ انتعش فيه التطرّف السياسي والعقائدي في العديد من بلدان العالم، وأصبح بعده «المتطرفون العالميون» يخدمون بعضهم البعض وإن كانوا يتقاتلون في ساحات مختلفة.. وضحاياهم جميعاً هم من الأبرياء. كما كان هذا اليوم تبريراً لبدء سياسة قادها «محافظون جدد» اعتماداً على تغذية الشعور بالخوف من ناحية، ومشاعر الغضب الموصوفة بالكراهية من الناحية الأخرى.
السياسة المتخبطة في واشنطن بنت خططها اعتماداً على الأسلوب الإرهابي يوم 11 سبتمبر 2001، فنشرت الخوف لدى الأمريكيين والغربيين من عدوّهم الجديد «التطرّف»، وشكّل ذلك بحدّ ذاته فائدةً كبيرة لمن ينتهجون أسلوب الإرهاب وفكر التطرّف، فكرّروا أعمالهم في أكثر من مكان استناداً إلى مبررات وذرائع وفرتها الإدارة الأمريكية من خلال حربها على العراق بدلاً من الحرب على الإرهاب، فالإدارات الأمريكية، خاصةً تلك المدعومة من مصانع وشركات الأسلحة، تحتاج دائماً إلى «عدوّ خارجي» يبرّر سياسة الانتشار العسكري ويحافظ على التفوق الأمريكي، ويضمن تبعية الدول الأخرى لمن يقود الحضارة الغربية المعاصرة.
وكيف يمكن تفسير ظاهرة تنظيم «القاعدة» الإرهابي الذي خرج إلى الوجود خلال عقد التسعينيات في حين أن مؤسسها والعديد من عناصرها كانوا أصلاً يلتقون مع السياسة الأمريكية طوال سنوات حرب «المجاهدين الأفغان» ضدَّ النظام الشيوعي والقوات السوفييتية في أفغانستان؟ هذه أسئلة مهمة، لأن «المهندس الغربي» استخدم «مقاولين» من المنطقة في إعداده لبناء «شرق أوسط جديد»، بل لبناء نظامٍ عالمي جديد تحدث عنه جورج بوش الأب في مطلع عقد التسعينيات، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
إنّ أمريكا «الداخل» تعيش حالياً مرحلة تحول بمختلف أبعادها السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية. وفي أمريكا أيضاً يتصارع الآن اتجاهان في كيفية رؤية وتفسير ما حدث في العام 2001: الأول، عنصري رأى أن الهجوم الإرهابي الذي حصل على أمريكا في العام 2001 كان هجوماً «إسلاميّاً» من حيث الدين، و«عربيّاً» من حيث الجنسية، ويشمل في تبعاته بلدان العالم الإسلامي كلها.
أما الاتجاه الثاني، فرأى ما حدث من إرهاب في أمريكا أشبه بصفارة إنذار تدعو الأمريكيين إلى فهمٍ أفضل للعالم ولما يجري حولهم بعد عقودٍ من الجهل بـ«الآخر» الموجود خارج أمريكا.
21 سنة مضت على صدمة 11 سبتمبر في أمريكا، ورغم ذلك لم يقدم أي مسؤولٍ سياسي أو أمني استقالته آنذاك بسبب هذه الأحداث، ولا أيضاً بسبب ما لحقها من غزو للعراق بناءً على أعذارٍ أقبح من ذنب الغزو نفسه.
عسى أن تكون ذكرى أحداث 11 سبتمبر في الأعوام المقبلة مناسبة أمريكية للتقييم وللتقويم معاً.. مناسبة لتقف أمريكا مع نفسها أولاً!