القائد الجسور المقدام هو الذي يكون قادراً على تغيير المفاهيم ومنحها محتوىً إيجابياً مهما كان شكلها ومحتواها، وقليلون هم القادة القادرون على تغيير رؤية الإنسان للأشياء لا سيما تلك الأمور والمواقف الصعبة التي تنفر منها النفوس وترى فيها حِملاً ثقيلاً ربما يعجز الإنسان عن حمله وخصوصاً إذا كان ذلك الأمر مرتبطاً بفكرة التحدي ومواجهة صعوبات الحياة، ومن دون أدنى شكّ أو تحيّز يأتي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيّ، رعاه الله، في طليعة القادة الشجعان الذين يعشقون التحديات، ويمنحونها طابعا إيجابيّاً يجعل منها جزءاً من طبيعة الحياة، ومن الطبيعة الإنسانية السليمة، فالحياة من دون تحدّيات لا قيمة لها، وحين ننظر في مسيرة صاحب السمو نجد أنها قائمة على فكرة التحدي، وهي فكرة عميقة الحضور في فكره وسلوكه وإدارته للحياة والدولة، ويكفي أن نشير في هذا المقام إلى أنّ صاحب السموّ قد نشر ثلاث ومضات عن هذه الفكرة تشرفتُ بالكتابة عنها حيث جاءت على النحو التالي: عامٌ من الآمال والتحديات بتاريخ 31 ديسمبر 2020، ووطن الإرادة والتحديات بتاريخ 17 يونيو 2021، والتحديات: المواجهة والتجاوز ومواصلة المسيرة بتاريخ 4 مارس 2022 م، وها هو، رعاه الله، ما زال يواصل الحديث عن فكرة التحدي حيث نشر على حسابه في «إنستغرام» ومن خلال وسمه المؤثّر «ومضات قيادية» ومضة قيادية بديعة المحتوى ألقاها بصوته الواثق تحدّث فيها عن روعة التحديات وكبير أثرها في تنمية مسيرة الوطن وتحقيق السعادة للمواطن، مؤكّداً على أنّ التحديات هي جزء من طبيعة الحياة، وأنّ وجودها شيء طبيعي لا يزداد معه الإنسان الواثق إلا تحدّياً وإصراراً على إنجاز المهام الصعبة التي ترفد الوطن وتُعزز مسيرته التنموية الرائدة.

«تصوّروا الدنيا بدون تحديات، فهل نحن نتوقف لأنّ فيها مخاطرة؟» بهذا التساؤل الجذري يفتتح صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد هذه الومضة القيادية الثمينة، فهو يتساءل كي يفسح المجال للعقل للوصول إلى الحقيقة وهي أنّ الدنيا لا يمكن تصورها بدون تحديات، لأنّ التحديات جزءٌ من طبيعة الحياة التي وصفها الله سبحانه وتعالى بأنها مكابدة، وأنّ الإنسان قد أُهبِط إليها كي يعمرها ويتحمل مسؤولياته فيها: {لقد خلقنا الإنسان في كبد} فاستلهم صاحب السمو هذه الحقيقة الصادقة وبدأ حديثه في تقريرها وتأكيد عمق حضورها في الحياة كي ينطلق بعد ذلك إلى تحميل الإنسان مسؤولياته على الرغم من وجود المخاطر والتحديات، ليتساءل مرة ثانية: هل نتوقف لأن في الحياة مخاطرة؟ وليكون الجواب في القسم التالي من هذه الومضة القيادية البديعة المقتصدة في كلماتها، المشتملة على حقائق الحياة وتحدياتها.

«الحياة كلها تحديات، نتوقف عشان نفكر بالمخاطر، لا، أبداً» بهذا الجواب الحاسم يُقفل صاحب السموّ باب التساؤلات ليؤكد أنّ الحياة مشحونة بالتحديات والصعوبات، لا بل إنّ صاحب السمو يؤكّد في موطن آخر من كلامه أن دولة الإمارات منذ نشأتها وهي تقوم على فكرة التحدي، فهي قد نشأت ضمن هذا المنظور، وحققت ذاتها من خلال فكرة التحدي، وما زالت تواصل مسيرتها وهي تعشق فكرة التحدي، ويزيد صاحب السمو الفكرة رسوخاً وعُمقاً حين يؤكّد أنه يعشق الظروف التي تضعه في قلب التحديات ليقهرها ويشعر بقيمة الفعل الإنساني وعظمة الإرادة القوية، وكم يذكر من المشاريع الضخمة التي شهدتها مسيرة الدولة وكانت محفوفة بالمخاطر والتحديات لكنّ القيادة كانت واعية لهذه التحديات وتعلم يقينا أنّ الرضوخ لهذه المشاعر المترددة لن يؤدّي إلا إلى التراجع والانكماش، فلولا التحدي لَما تفوّق مطار دبي على مطار هيثرو، ولولا التحدي لما وصلت الإمارات إلى الفضاء وأسهمت في مسيرة التقدم الإنساني بكل كفاءة واقتدار، فهذا هو الجواب الذي يواجه به صاحب السمو جميع صعوبات الحياة وتحديات المسيرة.

«التحديات ما توقّفنا، فكيف نطوّر اقتصاد بلدنا، وكيف نوصل إلى سعادة المواطن؟» وبنبرة التأكيد الجازمة يواصل صاحب السموّ الحديث عن قوة الإرادة الإنسانية التي لا توقفها التحديات، وتعمل بكل جهد صادق من أجل خير الوطن وتطوير اقتصاده وإدخال السعادة على قلب إنسانه، فالوطن القوي في جميع مسارات الحياة، والإنسان السعيد في ربوع بلاده وأفياء وطنه هما غاية الغايات عند صاحب السموّ، فالمسيرة لا تسير بدون أهداف بل أهدافها واضحة وطريق الوصول إلى هذه الأهداف مرسومة بدقة وعناية، وما يتحقق على الأرض من إنجازات هو الذي يعطي المصداقية لكل كلمة يقولها صاحب السمو الذي نذر نفسه لخدمة هذا الوطن، وتحقيق العيش الكريم لأبنائه.

«توكّل على الله واستمرّ، وخلّك إيجابي دائماً، لأنّ المخاطر موجودة، ولكن اللي يبا يوصل يوصل» وإذا كان القسم السابق من الومضة يؤكّد على القدرات الذاتية للإنسان، ويتحدث عن طبيعة الحياة، ويؤكد وضوح الرؤية ونبل الغايات، فإنّ خاتمة هذه الومضة الثمينة تؤكد على أهمية البُعد الروحي للإنسان الساعي في إعمار وطنه من خلال مفهوم التوكل، فهو وعلى الرغم من بذله لجميع الجهود في سبيل تحقيق المقصود لكنه لا يتوكل عليها بل يتوكل على ربه وخالقه الذي يُعينه ويريد منه إعمار الأرض وهو متوكل عليه، لأن أخلاقية التوكل تحمي الإنسان من الوقوع في فخّ الغرور والكبرياء والجبروت، فحين ينطلق باسم الله فإنه يكون في مساره الآمن، ويمتلك الشعور الإيجابي بالحياة والذي يعني النظر إلى الجوانب المشرقة فيها، والعمل الجاد على تغيير جميع مظاهر السلب والبؤس والفقر والحرمان، واضعاً نُصب عينيه أنّ له هدفاً محدّداً يريد الوصول إليه، مقتنعاً من أعماق قلبه أنّ الرحلة الطويلة تبدأ بالخطوة الأولى، وأنّ من سار على الدرب وصل.