رغم ضراوة المعارك على الأرض بين روسيا من جانب وأوكرانيا وداعميها من جانب آخر، ورغم الخطاب السياسي والإعلامي الحاد من موسكو وكييف، إلا أن تفاصيل المشهد العسكري والسياسي وما يرتبط بهما من تداعيات اقتصادية سلبية على الجميع تقول إن هناك «محفزات وروافع» لوقف الحرب والذهاب إلى معادلة جديدة تحقق «النصر للجميع». فبعد أكثر من 200 يوم من الحرب تأكد أن «النصر العسكري» الكاسح لن يتحقق لأي طرف.

كما أن «اليقين الكامل» باستمرار الدعم المطلق سياسياً وعسكرياً واقتصادياً بات «موضع شك»، فما هي «المحفزات» السياسية والعسكرية والاقتصادية الجديدة التي بات على الطرفين التفكير فيها قبل الاستمرار في هذه الحرب؟

درس مؤلم

يؤكد سير المعارك في شمال شرق أوكرانيا وجنوبها أن فكرة «النصر الكامل» لأي من الطرفين بعيدة تماماً من حسابات الواقع، فخلال نحو 200 يوم من الحرب استخدم الطرفان كل ما لديهما من أسلحة فتاكة، والنتيجة واحدة، فلا روسيا استطاعت تحقيق نصر خاطف وسريع، ولا أوكرانيا استطاعت استعادة شبه جزيرة القرم وحوض دونباس.

وما حدث أخيراً في مقاطعة خاركيف بات درساً مؤلماً للجانبين، فبرغم نشوة الأوكرانيين بعد سيطرة الجيش الأوكراني على مساحة تقترب من 8 آلاف كلم حول خاركيف إلا أن الضربات الروسية كانت مؤلمة على طول الجبهة الأمامية بين الطرفين التي تصل لنحو 1700 كلم.

وتحتاج أوكرانيا لمواصلة الهجوم في هذا الاتجاه مع اتجاه خيرسون في الجنوب إلى إمكانيات ضخمة وحشد غير مسبوق، والنتيجة بعد كل ذلك غير مضمونة بشهادة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، كما أن روسيا ليس أمامها عسكرياً إلا خيارين كلاهما مر، فأي هجوم جديد يحتاج لحشد مئات الآلاف من الجنود، وهو ما يفرض اللجوء لخيار «التعبئة العامة»، وهذا خيار محفوف بالمخاطر.

كما أن الخيار الثاني وهو القيام بضربة كيميائية أو نووية «تكتيكية» سوف يؤلب العالم ضد روسيا، وقد تفقد موسكو الحياد الإيجابي الذي تتبناه ما يقرب من 100 دولة حول العالم.

أثر كبير

لكن أكثر الدوافع التي قد يكون لها الأثر الكبير في دفع الطرفين للتفكير في الحل السياسي هو «فتور حماس الأصدقاء» للحرب، فحديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة شانغهاي للتعاون في سمرقند كشف أن الصين لديها «قلق وأسئلة» حول الحرب في أوكرانيا، وهي الشريك الاستراتيجي الأكبر لروسيا، والصين أيضاً لا تستطيع أن تخسر الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين الذين ساهموا عملياً منذ السبعينات في النهضة الصينية، وبلغ حجم التجارة البينية بين بكين وواشنطن أكثر من 750 مليار دولار في 2021.

كما أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وهو صديق كبير للرئيس بوتين قال بصراحة إن الوقت «ليس زمن الحرب».

على الجانب الأوكراني هناك دعوات بل ومظاهرات في الدول الأوروبية مثل التشيك وألمانيا تدعو لوقف تمويل ودعم أوكرانيا، ولسان حال هؤلاء، لماذا ندفع نحن ثمن الحرب في أوكرانيا؟ كما أن نتائج الانتخابات الجديدة في السويد وحتى في إيطاليا تقول بوضوح إن الرأي العام الأوروبي الداعم لأوكرانيا يمكن أن ينتهي مع أزمات الطاقة في الشتاء القادم.

خيار مثالي

المؤكد في ظل هذا المشهد الجديد الذي أطل على الحرب الروسية الأوكرانية فإن الخيار المثالي هو إنهاء الحرب وحفظ ماء الوجه للجميع، فكل البدائل الأخرى ذات تكاليف عالية على جميع المستويات.