يعود تاريخ العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية، إلى ما قبل القرن الماضي، وكان يتطور من مرحلة إلى أخرى، وإذا ما نظرنا إلى المراحل الأولى نجد مجال التعليم خير دليل على ذلك، فلقد شهدت بدايات القرن الماضي حضور بعض المعلمين ممن درسوا بمصر إلى الإمارات، الذين تتلمذ عليهم بعض طلبة العلم، فكان الشيخ محمد بن عبدالله الفارسي قاضي رأس الخيمة الذي درس على الشيخ الأنبابي شيخ الأزهر، من الذين درس عليهم الشيخ ابن غباش قبل سفره إلى مصر للدراسة بالأزهر عام 1927.
وفي دبي، فإن الشيخ محمد العبسي اليماني أحد خريجي الأزهر كان مديراً لمدرسة السعادة عام 1926. وتورد الروايات الشفاهية أن الشيخ سيف بن رشيد المنصوري سافر إلى مصر للدراسة، وصادف وصوله إليها تاريخ دخول (النصارى) وقد يكون المقصود الاحتلال البريطاني (1882).
الصحافة الثقافية
ملمح آخر نرصده في العلاقة بين البلدين، وهو دور الصحافة الثقافية التي اشترك فيها المثقفون من أبناء الإمارات مثل: المنار، الفتح، الشورى، الشباب، وادي النيل، المقتطف، الهلال، الحقوق، الكواكب، الرياضة البدنية، أخبار الدنيا، الأهرام، الرسالة.. وغيرها الكثير. وقد كتب بعضهم في مجموعة منها، ونشروا إبداعاتهم على صفحاتها. ومن خلال تلك الصحف والمجلات تعرفوا على الثقافة المصرية وكتابها، وأخبارها.
البعثات التعليمية
كما يبرز في الصدد، ملمح آخر، وهو البعثات التعليمية، ففي عام 1953 وصلت البعثات التعليمية عبر دولة الكويت وشملت مدرسين من مصر وغيرها، وكانوا نواة التعليم الحديث بالإمارات، وفي عام 1955 سافر المرحوم الشيخ صقر بن سلطان القاسمي، حاكم الشارقة الأسبق، إلى مصر لطلب الدعم، فجاءت بعثة ضمت مدرسين اثنين، وفي عام 1959، قام المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بزيارة إلى القاهرة، كما ذكرت مجلة «روزاليوسف» في عددها 2634، لسنة 1934، حيث ذكرت أن الهدف من الزيارة تقوية الجوانب التعليمية بأبوظبي، ومد الجهاز التعليمي بالأساتذة الأكفأ.. وفي عام 1960 كانت زيارة المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، إلى مصر والتي أعقبها وصول بعثة تعليمية مصرية مكونة من 7 مدرسين وثلاث مدرسات، وتوالت البعثات التعليمية المصرية، ما أشاع العلم والمعرفة، فهؤلاء المعلمون أذكوا الروح الوطنية والقومية بين الطلاب.
وكانوا عاملاً مساعداً لنشر الثقافة في المجتمع، تعلم منهم الطلاب العلوم والفنون كالرسم والموسيقى والمسرح والحركة الكشفية والمهرجانات. وهو ما أهلهم لمواصلة تعليمهم الجامعي والتخصص في هذه المجالات. ومن خلال مكتبات الفصول اكتسبوا ثقافة المطالعة والقراءة والكتابة في مجلات الحائط، فكانوا نواة الكتّاب الذين نراهم اليوم.
كما أن وجود هؤلاء المعلمين ومشاركتهم في الفعاليات المجتمعية كان له دور في التثاقف مع أفراد المجتمع.
قصائد محبة
وهناك ملمح آخر نلحظه في التواصل بين المثقفين، فكما أسلفت حول الاشتراك في الصحافة المصرية من قبل أبناء الإمارات، نجد أثر ذلك جلياً في ثنايا شعر الشاعر الراحل سالم بن علي العويس (1887 ـ 1959)، في رثاء: الشيخ محمد عبده عام 1905، والزعيم سعد زغلول عام 1927، والشيخ رشيد رضا عام 1935.
ويعتبر الصالون الثقافي الذي كان المرحوم الشيخ صقر القاسمي، يعقده منذ الخمسينيات بفندق شبرد، كلما زار مصر، من أهم الروافد لتقوية العلاقات الثقافية، فكان يحضره المفكرون والأدباء والفنانون من مصر وزوارها، واستمر الصالون بعد أن اختار مصر مقراً لمنفاه.
وكان يحضر الصالون كل من: د. بدوي طبانة، د. أحمد الشرباصي، د. بنت الشاطئ، صالح جودت، كامل الشناوي، يوسف السباعي، محمد عبدالوهاب، أمين الخولي، عبد المنعم الرفاعي، علي هاشم رشيد، مصطفى الشكعة، عبدالله زكريا الأنصاري، وآخرون. وقد حضر هذا الصالون من مثقفي الإمارات: الراحلان، الشاعر سلطان العويس والأديب محمد صالح القرق.. وغيرهما.
علاقة وتضامن عميقا الجذور
أما في مرحلة ما بعد ثورة 23 يوليو 1952 فإننا نلحظ فرح أبناء الإمارات بذلك الإنجاز، واعتباره إنقاذاً لكل الدول العربية الواقعة تحت هيمنة الاستعمار، لذا فإنهم تفاعلوا معها ومع رجالها وقضاياها، وقد ترجم الشعراء تلك المواقف وانعكست في شعرهم، تأييداً ومناصرة، تمثلا في حبهم لجمال عبدالناصر، ومساندة مواقفه وأفعاله، ومنها: بناء السد العالي، دعمه للدول المتطلعة للتخلص من الاستعمار. كما أيدوه في حرب عام 1967. وكانوا يتحلقون حول أجهزة الراديو يستمعون إلى خطبه الحماسية التي أشعلت لديهم الروح الوطنية والقومية.
مرحلة نوعية
وتأتي مرحلة ما بعد قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث أصبحت الدولة مستقلة، لتجد الموقف المشرف من مصر التي سارعت إلى الاعتراف بهذه الدولة الوليدة. كما حرص المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان، بحسه العروبي والقومي على تقديم الدعم الكبير لمصر، الدولة الشقيقة الأولى للإمارات، وأكد على دوام التعاون معها واعتبر قوتها وأمنها قوة للإمارات، وأوصى أبناءه الكرام بها.
ووجه بضرورة تكثيف ابتعاث الطلبة للدراسة بمصر، تعبيراً عن الثقة في مصر وتعليمها، فأرسل أبناء الإمارات للدراسة بجامعاتها ومعاهدها، بأعداد كبيرة، لينضموا إلى من سبقوهم هناك من أبناء وطنهم، فدرسوا بـ: جامعة الأزهر، جامعة القاهرة، جامعة عين شمس، جامعة حلوان، جامعة الإسكندرية. وفي الكليات العسكرية والشرطية.
وتواصلت البعثات، ليعود أولئك المبتعثون ولتسند إليهم المناصب. وكانت هناك شخصيات بارزة رفيعة المكانة بين هؤلاء، وعلى رأسها : صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، رئيس المجلس الوطني - سابقاً - المرحوم تريم عمران، مجموعة من الوزراء والسفراء ووكلاء الوزارات ومدراء العموم وكبار الموظفين، وهم الذين على عواتقهم تم بناء الدولة وتعزيز مكانتها، وترسيخ قواعدها ترجمة لتطلعات القيادة وبدعم منها، ومن أهم ملامح هذه المرحلة، تأطير العلاقة من خلال عقد اتفاقيات ثقافية بين وزارتي الثقافة والمؤسسات الثقافية والجامعات، في البلدين.
كما نجد التعاون بين البلدين متمثلاً في عناصر مهمة، عديدة، ومن بينها: مشاركة المثقفين المصريين وإسهامهم في الحراك الثقافي بالدولة من خلال العمل بالمؤسسات الثقافية الحكومية والأهلية، فكان إبراهيم سعفان مديراً لتحرير مجلة «المنتدى» ورأفت السويركي مديراً لتحرير مجلة «الرياضة والشباب»، وكامل يوسف رئيساً لقسم الترجمة في صحيفة «البيان» ومصطفى غزال محرراً ثقافياً في صحيفة «الاتحاد»، ومحمد الخولي مترجماً.. وغيرهم الكثير. كما شارك المثقفون المصريون كمترجمين ومحاضرين ومحاورين في المواسم والفعاليات الثقافية للجهات المختلفة، وتولوا إعداد وتقديم البرامج الإذاعية والتلفزيونية المختلفة.
زيارة وقصة وفنون
وفي مجال الفنون، يتمثل أبرز أوجه التعاون في دعوة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، لسيدة الغناء العربي أم كلثوم، لتحيي حفلين غنائيين في أبوظبي، وحضر الأولى. كما حضر الثانية المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ولي عهده حينذاك، إضافة إلى جمع غفير من الشيوخ والمسؤولين والمواطنين والمقيمين.
ومن ثم جاء العندليب، عبدالحليم حافظ للغناء في دبي، وكذلك تم تكليف الموسيقار سعد عبد الوهاب لإعداد موسيقى السلام الوطني، وراح مطربو الإمارات يسجلون أغنياتهم في استوديوهات مصر. كذلك برز تلفزيون دبي، واستوديوهات عجمان الخاصة، ومؤسسة الخليج للأعمال الفنية، إذ أُنتجت وصورت أنجح المسلسلات التلفزيونية المصرية.
وفي المسرح عملت مجموعة من الرواد في دعم الحركة المسرحية في الدولة، مثل: السيد بدران، حسن أبو المكارم، محمد الدسوقي، مجدي كامل، حسن الرزاز، أحمد جلال، فتحي دياب، كريم المخزنجي، عبد الغفار ابوالعطا، محسن محمد، مسعد الطنباري. وكان بعضهم من المدرسين وكانوا من المولعين بالمسرح. وتدربت على أيديهم مجموعة من مسرحيي اليوم.
دعم إماراتي لا محدود
وأختم الحديث في هذا المقام، بالدعم الثقافي الإماراتي لمصر والمتمثل في تبرع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، بمبلغ عشرين مليون دولار لمكتبة الإسكندرية، وتوجيهات المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، لمركز مسجد الشيخ زايد بتخصيص 250 مليون درهم لترميم مكتبة جامعة الأزهر وصيانتها وترميم مقتنياتها، بالإضافة إلى تمويل إنشاء أربعة مبان لسكن الدارسين بالأزهر. وفي عام 2011 أطلق مشروع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لحفظ مخطوطات الأزهر ورقمنتها ونشرها إلكترونياً بمبلغ قدره 38 مليون جنيه.
بالإضافة إلى جهود صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، لدعم جامعة القاهرة باستكمال إنشاء المكتبة المركزية للجامعة، وإنشاء مكتبة حديثة لكلية الزراعة، وإنشاء مجمع المعامل البحثي في الكلية، وترميم مبنى كلية الهندسة. وكذلك مشروع إنشاء مبنى دار الوثائق المصرية، وترميم المجمع العلمي.
ويضاف إلى ذلك قيام مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، بتمويل تأسيس مركز الشيخ زايد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، بتكلفة 3 ملايين وأربعمئة ألف دولار، ويستفيد من المركز ما يزيد على أربعة آلاف طالب من بقاع مختلفة من العالم.
دامت العلاقة بين البلدين زاهرة بإذن الله في ظل القيادتين الحكيمتين لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، والرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر، حفظهما الله وسدد خطاهما على طريق الخير والحق.
نبني كما كانت أوائلنا تبني
ونصنع فوق ما صنعوا