مع اقتراب الحرب الروسية الأوكرانية من دخول شهرها التاسع، تأكد للجميع أنها حرب «بلا قواعد»، وتجاوزت كل ما يعرف عن «قواعد الحرب» أو القانون الدولي الإنساني، وهي تلك القواعد التي يجب أن يلتزم بها طرفا الصراع، ووافق عليها نحو 194 دولة بما فيها أوكرانيا وروسيا، وتعتمد «قواعد الحرب» على مجموعة من الأسس الدولية التي تحدد ما يمكن، وما لا يمكن فعله خلال النزاعات المسلحة، والهدف من «قواعد الحرب» هو الحفاظ على شيء من الإنسانية في النزاعات المسلحة، وإنقاذ الأرواح والتخفيف من المعاناة، بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي يوضح ميثاقها الكيفية التي تخوض بها الدول الحروب، وذلك من خلال السعي إلى تحقيق توازن بين هدفين رئيسيين هما إضعاف قدرات العدو، لكن في ذات الوقت وبنفس الحماس العمل على الحد من معاناة السكان، وهي قواعد يجب أن تكون ملزمة لجميع الجيوش المحترفة التابعة للدول، أو حتى للجماعات التي توصف بأنها «تنظيمات ما دون الدولة»، فكيف اختفت قواعد الحرب الروسية الأوكرانية؟ وما هو تأثير ذلك على مستقبل الصراع والتنافس العالمي؟
مسارح الحرب
رغم أن الحرب تدور في نحو 20 % من الأراضي الأوكرانية في حوض دونباس الشرقي ومقاطعتي خيرسون وزباروجيا، إلا أن هناك مناطق وأقاليم متعددة ودوائر مختلفة باتت مسارح ومساحات يدور فيها الصراع الأوكراني الروسي بأدوات وأهداف مختلفة، فخطوط نقل الغاز التي تم تدميرها في بحر البلطيق «نورد ستريم 1 و2» بعيدة تماماً عن مسرح العمليات، كما أنها أهداف مدنية تضرر من تدميرها ليس فقط روسيا، بل كل الشعوب الأوروبية التي كانت تعتمد على الغاز الرخيص الذي كانت تنقله تلك الأنابيب، وحتى الآن لا نعرف الطرف الذي قام بهذا العمل الشنيع، لأنه لا يوجد تحقيق مستقل، كما أن طرفي الحرب قاما بتوسيع دائرة الصراع بقصف الأهداف المدنية علانية مثل تدمير أوكرانيا لجسر القرم، أو استهداف روسيا لقطاع البنية التحتية والطاقة في أوكرانيا، بل وصل الأمر إلى القيام بعمليات اغتيالات سياسية خارج الحدود، كما جرى مع ابنة المفكر الروسي داريا دوجينا، لكن اللافت هو استغلال معاناة شعوب العالم في الدول النامية والفقيرة عبر التلاعب بالأمن الغذائي العالمي وأمن الطاقة، وهو ما نراه في تعثر اتفاق نقل الحبوب في موانئ البحر الأسود، وهو ما يزيد من معاناة الشعوب التي تعتمد بشكل رئيسي على واردات الحبوب من روسيا وأوكرانيا، وهو انتهاك واضح لــ«قواعد الحرب»، كما أن استخدام الأسلحة النووية أو القذرة، وتوسيع دائرة نشر وتوزيع «القنابل النووية التكتيكية» لا يمكن أن يتفق مع قواعد الحرب، فخلال المناورات الاستراتيجية التي جرت في شهر أكتوبر قامت روسيا بتجهيز نحو 2000 قنبلة تكتيكية، وقام حلف الناتو بنشر نحو 460 قنبلة تكتيكية في القواعد العسكرية القريبة من الأراضي الروسية، وكلها خطوات خارج إطار كل «قواعد الحرب» التي نصت عليها اتفاقية جنيف، والتي تدعو لعدم التفكير في تحويل السلاح النووي من سلاح للردع إلى سلاح عملياتي.
ليس هذا فقط، فهناك نكوص وتراجع في فصل المسارات المدنية عن العسكرية تماماً، وهو من أهم قواعد الحرب المتفق عليها دولياً، فالتنمر على الأطفال الروس في المدارس الغربية، وتمزيق الكتب والروايات التي كتبها روائيون روس، حتى هؤلاء الذين كانوا دائماً ضد سياسة الكرملين، لا تتفق إطلاقاً مع معايير وقواعد الحرب. فالمؤكد أننا أمام «حرب بلا قواعد»، وهو ما يحتاج وبسرعة لخطوات حكيمة حتى لا تتوسع مساحات الحرب أكثر من ذلك.