يحكى أن أحدهم بات يبحث عن لغز محير كرحالة تاه بين صفحات الكتب والتفاصيل الدقيقة، بدأ يبحث عن نفسه في جوف الحروف الأبجدية، يتنقل بين النصوص والسيناريوهات دون توقف ويستشعر مواطن الجمال بين كلمة وأخرى، حيث يجد أن القراءة هي النور الذي يشع في الليالي الحالكة، هي الملاذ لكل مسافر، وجد نفسه تائهاً في بلاد بعيدة لا يعلم لغة أهلها وكأنها أصبحت دليله حينما تبعثرت جميع وجهاته حتى امتطى جواد خيله وتنقل من بين المفردات كما تنقل ابن بطوطة بين الخرائط، أخذته بوصلته إلى وجهة تختلف عن باقي الوجهات لأنها تشبه في تفاصيلها جمال الفستق الحلبي، وتحمل بين طياتها قصة طفلة أبهرت الجميع بحبها للغة الضاد، وكأن تلك اللغة هي بر الأمان بالنسبة لها، نجت من بين الحطام حتى تجمع قواها وكأنها تقول للأحلام: لطفاً لا تنطفئي، حتى استجابت الأحلام لندائها وأصبح اليوم يحكى عن «حكاية شام» في كل زمان ومكان.
حينما نتحدث عن براءة الطفولة ونقائها وعفويتها فنحن نتحدث عن شام البكور، التي فازت بلقب «تحدي القراءة العربي» بموسمه الـ 6 وكأنها تخبرنا أن القراءة هي طوق النجاة الذي تعلقت به لتخرج من بين شظايا الانفجار الذي أودى بحياة أغلى من تحب، ولتخبر العالم بأكمله أنها قادرة على تحدي الصعاب من خلال التعمق بين القصص والحكايات، حينما نتحدث عن إرادتها فنحن نتحدث عن طفلة لا تطفئها عتمة الليل، وفي داخلها أحلام بيضاء لا تود أن يختلط السواد بها، فشام تمتلك أملاً طاهراً وشغفاً متجدداً يحكي بأن الغد سوف يحمل في جعبته بشائر مفرحة، تشعر حينما تتحدث أنها تنشر رحيق الزهور في أرجاء المكان لا يمل الآخرون من سماعها، وفي عينيها بريق منبلج أخاذ وكأنها تخبرنا بأنها تريد الانطلاق نحو آفاق المستحيل.
من تحت أنقاض الركام نهضت ابنة سوريا شام البكور لتثبت جدارتها وقوتها بين أحضان اللغة العربية، وكأنها طفلة بعقل امرأة حكيمة غاصت في بحر العلم والإبداع، وهنا يأتي السؤال: كيف لضحكة طفلة صغيرة تشعرك بأنك تحلق في السماء بينما أنت في مكانك ساكن لا تتحرك؟ هذه المشاعر التي تجلت بنا لحظة إعلان فوز شام البكور بجائزة «تحدي القراءة العربي».
ماذا فعلت يا شام حتى امتلكت قلوب الأنام؟ قصتك اليوم تحكي عن روح البراءة المختلطة بشغف التحدي والمثابرة، حيث إننا تعلمنا أنه لا شيء بات مستحيلاً ما دام أنه هناك أطفال يتمسكون بلغتهم العريقة حتى لا تندثر ويصنعون من لغة الضاد واقعاً مميزاً يحكى في مشارق الأرض ومغاربها، قصة شام خرجت من بين ملايين القصص التي مازالت معلقة في زوايا الانتظار ونحن مازلنا ننتظر أن تولد لنا شام أخرى من كل بقاع الأرض لنكتب حكايات جديدة نستفتحها بـ«كان يا مكان في قديم الزمان ظهرت لنا شام من بين الأنام حتى تخبرنا أنه مازال هنالك أمل يرسو بنا إلى بر الأمان».