على مدار الأسابيع الماضية نشرت الصحافة الغربية مثل صحيفة «الفايننشال تايمز» تحليلات تتنبأ فيها بتفكك روسيا وتقسيمها حال امتداد الحرب في أوكرانيا لعام 2023.

ورغم أن تلك التنبؤات ليست جديدة إلا أنها باتت تعتمد على ما يراها الغرب مؤشرات اقتصادية وجيوسياسية أكثر بكثير مما طرحته توقعات سابقة جرت في الأسابيع الأولى للحرب، وطرحتها آنذاك مجلات مثل «ذا أتلانتك» و«ناشيونال إنترست». لكن الجديد بعد 10 شهور من الحرب، أن مفكرين روس مستقلين مثل سيرغي كاراغانوف يعتقدون أن هذا السيناريو قائم، وهو ما يسعى إليه الغرب، وهو ما يتلاقى مع رؤية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يقول إن خطط واشنطن تستهدف في النهاية تقسيم وتفكيك روسيا، فالرئيس بوتين ظل ينظر لانضمام 14 دولة في عهده لحلف الناتو بأنه نوع من الضغط على أطراف روسيا حتى تتفكك من الداخل، ولهذا تعتبر موسكو قرار الحرب في أوكرانيا ضرورياً من أجل الحفاظ على الكيان الاتحادي الروسي. فهل تتفكك روسيا حقاً إلى دول ودويلات؟

تعميق الألم

أكثر الأسباب التي تعتمد عليها التوقعات الغربية بتفكك روسيا هو ما يقوله «البنتاغون» إن كل يوم في الحرب على أوكرانيا «يعمّق الألم» لموسكو، فكل المؤشرات تقول-وفق البنتاغون- إن الكثير من الجمهوريات والمناطق الروسية بدأت تعاني من أعباء شديدة في إرسال الجنود، وتوفير الدعم الحربي للجيش الروسي، وهي شكاوى تكررت في جمهوريات شمال القوقاز مثل «داغستان والشيشان وبشكيريا» التي تشكو من إرسالها عدداً من الجنود يفوق عدد المقاتلين التي ترسلها المناطق الغربية من روسيا مثل موسكو وسانت بطرسبرغ، بعد أن قالت المخابرات البريطانية إن الكرملين يخشى رد فعل سكان موسكو والمناطق الشمالية الغربية حال مقتل أبناء تلك المناطق في الحرب.

كما أن انشغال روسيا بالحرب على الجبهة الغربية يجعلها -حسب توقعات الغرب- تفقد نفوذها بالتدريج في جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز الجنوبي، وهو ما يبرز في تعالي الأصوات التي تطالب بضرورة استعادة جورجيا للمناطق التي خسرتها في الحرب ضد موسكو عام 2008، أي جمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. كما أن من يتابع برامج التلفزيون الياباني يشاهد كثيراً نظريات تقول إن هزيمة روسيا في أوكرانيا سوف تساهم في استعادة اليابان «جزر الكوريل» التي سيطر عليها الاتحاد السوفيتي من اليابان في الحرب العالمية الثانية وورثتها روسيا من بعده.

وهناك من يقول إن المساحات الشاسعة والإثنيات المتعددة والقوميات المختلفة تحمل في جوهرها عوامل التفكك والتقسيم حيث تضم روسيا 22 جمهورية، و89 منطقة إدارية بعد ضم المناطق الأربع الأخيرة في أكتوبر الماضي، دونيستك ولوغانسك وزاباروجيا وخيرسون التي انسحب منها الجيش الروسي في نوفمبر الماضي.

كما تضم روسيا، بالإضافة للروس، قوميات أخرى مثل الأوكرانيين والتتار والبشكير والأرمن والشيشان والأفاريين والموردوفيين والأكراد. ويزاد الأمر تعقيداً عندما يكون على الساسة الروس الحفاظ على دولة تبلغ مساحتها 17 مليون كلم، ولها حدود مع 16 دولة من المحيط الهادي شرقاً إلى الحدود الجليدية مع كندا غرباً، وبها أقاليم شبه منفصلة وذات عواصم متباعدة، فبالإضافة للإقليم المركزي وعاصمته موسكو، هناك أقاليم بعيدة مثل الأورال وسيبريا والشرق الأقصى، وشمال القوقاز والمنطقة الجنوبية.

الأمم لا تنسحب

اللافت أن الوثائق الأمريكية تقول إن واشنطن سعت لتقسيم روسيا ليلة انهيار الاتحاد السوفيتي في 25 ديسمبر 1991، كما جاء في مذكرات مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق روبرت غيتس، ومع كل ذلك لا يمكن تجاهل قدرة روسيا على البقاء كدولة موحدة رغم كل التحديات والأخطار التي مرت بها خلال القرون الأربعة الأخيرة، والتي تقول إن روسيا قد تتعرض للمحن وحتى الهزائم، لكن مشهد عودة روسيا قوية بعد عقد واحد من انهيار الاتحاد السوفيتي يؤكد أن «الأمم الكبيرة لا يمكن أن تنسحب من التاريخ».