هو حفيد مؤسس المملكة العربية السعودية وموحدها، الملك عبدالعزيز آل سعود، والابن البكر للملك فيصل بن عبدالعزيز، رحمهما الله. إنه الأمير عبدالله الفيصل آل سعود، الذي انتقل إلى جوار ربه بمدينة جدة، في 8 مايو عام 2007، عن 84 عاماً، من بعد حياة حافلة في ميادين السياسة والإدارة والأدب والشعر والرياضة والتجارة والبر والاحسان، فصُلي عليه بالمسجد الحرام، ثم ووري جثمانه الثرى، بمقابر العدل بمكة المكرمة.

ولد في بمدينة الرياض سنة 1922م، أي قبل قيام المملكة العربية السعودية بنحو عقد من الزمان، وعاش فيها سنواته الخمس الأولى، تحت رعاية جده الملك عبد العزيز، قبل أن ينتقل في أواخر العشرينيات الميلادية إلى مدينة جدة، للعيش في كنف والده، الذي كان وقتها نائباً للملك في الحجاز، ووزيراً للخارجية.

والدته هي الأميرة سلطانة بنت أحمد بن محمد السديري، أولى زوجات الملك فيصل. وجده لأمه، هو الأمير أحمد بن محمد بن أحمد السديري.

إخوانه غير الأشقاء، هم الأمراء: محمد الفيصل (ت: 2017)، سعود الفيصل (ت: 2015)، عبد الرحمن الفيصل (ت: 2014)، بندر الفيصل (ت: 2015)، تركي الفيصل، خالد الفيصل، وسعد الفيصل (ت: 2017).

اقترن لأول مرة بالأميرة الجوهرة بنت خالد بن محمد بن عبد الرحمن آل سعود، التي أنجبت له الأمراء خالد ومحمد وعبد الرحمن وطلال وسلطان وتركي وبندر، ثم اقترن بالأميرة نورة بنت عساف العساف، التي رزق منها بالأمير سعود، ثم تزوج للمرة الثالثة بالأميرة سلوى بنت سعيد بن مسفر العدوي القحطاني، والدة الأمير فيصل، والأميرة سلطانة.

حينما انتقل الأمير عبد الله الفيصل إلى الحجاز، كان التعليم النظامي في بداياته، وكان نيل الشهادة الابتدائية وقتذاك من علامات التباهي والفخر، فألحقه والده بالمدرسة الفيصلية بمكة، التي نال منها شهادته الابتدائية. وانكب يقرأ في كتب الأدب والتاريخ والسياسة. غير أن ما استهواه بالدرجة الأولى، ووجد نفسه فيه هو الشعر، فراح يقرأ ويتأمل في قصائد كبار الشعراء القدامى والجدد. وهكذا أثمر غرامه بالشعر والشعراء، عن ولادة موهبته الشعرية.

وفي هذا السياق، لا بد لنا من الإشارة إلى أنه عارض بشدة دعوات تجديد وتحرير الشعر العربي، لا سيما شعر التفعيلة وقصيدة النثر، وانحاز بالمطلق للقصيدة العمودية التقليدية. لكن هذا لا يعني أنه كان شاعراً جامداً محافظاً، فالذين كتبوا عن شعره، أجمعوا على اتصافه بالرقة والسلاسة والعذوبة.

ومن آيات نبوغه الشعري، وبروزه كشاعر يشار إليه بالبنان، قيام عدد من النقاد والشخصيات الأدبية المرموقة بالكتابة عن أشعاره. ومن دلائل التقدير لشخصه ومكانته الشعرية والأدبية، أنه منح الدكتوراه الفخرية في العلوم الإنسانية، بقرار من مجلس أمناء أكاديمية العلوم والثقافة المتفرعة عن «مؤتمر الشعراء العالميين»، المنعقد بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية عام 1981 م، ومنح جائزة الدولة التقديرية في السعودية عام 1985 م، وحصل على اللوحة الألفينيسية لمدينة باريس عام 1985 م، من يد عمدتها آنذاك، جاك شيراك، علاوة على تكريمه من قبل العاهل المغربي الراحل، الملك الحسن الثاني، بمنحه عضوية الأكاديمية الملكية المغربية سنة 1986، وحصوله في عام 1989، على شهادة دكتوراه فخرية أخرى في الأدب والعلوم الإنسانية من جامعة شو بولاية كارولاينا الجنوبية. كما تم تكريمه في بلاده، من خلال إطلاق جائزة شعرية تحمل اسمه (جائزة الأمير عبد الله الفيصل العالمية للشعر العربي)، في نوفمبر 2018.

على أن الاهتمام الأكبر بأعماله الشعرية، تجلى في حرص الكثيرين من نجوم الغناء المحليين والعرب، على تلحين وغناء قصائده، وكان في مقدم هؤلاء، السيدة أم كلثوم، التي شغف سموه بجمال صوتها وأدائها المتميز للقصيدة العربية، فغنت له في عام 1958، قصيدته الخالدة «ثورة الشك»، التي يبدأ مطلعها بــ: «أكاد أشك في نفسي لأني، أكاد أشك فيك وأنت مني، يقول الناس إنك خنت عهدي، ولم تحفظ هواي ولم تصني»، ثم غنت له في عام 1972 م، قصيدة «من أجل عينيك عشقت الهوى». وبهذا، فقد غنت أم كلثوم للأمير الراحل أغنيتين عاطفيتين.

ومن نجوم الطرب المصريين الذين غنوا أيضاً من كلماته: العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، الذي غنى له أولاً في عام 1955، قصيدة «سمراء يا حلم الطفولة»، ثم غنى في عام 1973 من كلماته وألحان محمد الموجي، أغنية «يا مالكاً قلبي يا آسراً حبي». غير أن المطربين السعوديين استأثروا بحصة الأسد من قصائد الأمير، وكانت البداية مع عميد الأغنية السعودية، الموسيقار طارق عبد الحكيم، الذي كان أول من غنى ولحن قصيدة له، وذلك في عام 1951، حينما زلزل ساحة الطرب برائعة «يا ريم وادي ثقيف».

ولعبد الله الفيصل، الذي كان يوقع أشعاره باسم «المحروم» (برر ذلك في أحد حواراته، بأن السعادة، لا تتحقق بالمناصب والجاه أو الثروة والمال أو الشباب والجمال، وأن فقدان المرء لها وحرمانه منها، ناجم عن تأثر أحاسيسه بعوامل أخرى من الألم والأسى، تشغله وتستأثر به عن الشعور بالسعادة)، وكان صالونه عامراً على الدوام باللقاءات الشعرية والأدبية، ومكاناً لاستضافة عمالقة الفن والشعر العرب، عدد من الدواوين الشعرية، منها: ديوان جمع فيه قصائده الفصحى الأولى، وأصدره عام 1953، بعنوان «وحي الحرمان»، وديوان آخر احتوى على قصائده الفصحى اللاحقة، وصدر عام 1980، بعنوان «حديث القلب»، وتمت ترجمته إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والروسية، وديوان ثالث، تضمّن قصائده النبطية، وأصدره عام 1985، تحت عنوان «مشاعري»، إضافة إلى ديوانين آخرين، هما: ديوان «وحي الحروف»، وديوان «خريف العمر».

في بدايات شبابه، وتحديداً في أواخر الأربعينيات، عينه جده وكيلاً لنائب جلالته في الحجاز، فكان ينوب عن والده الأمير فيصل في إدارة مجلس الوكلاء، ويشاركه في بعض مهامه الإدارية، لا سيما تلك المتعلقة بمكة المكرمة. وبصفته تلك، ومن أجل أن يتعرف إلى العالم الخارجي، اختاره والده الفيصل، إلى جانب أعمامه الأمراء محمد وفهد ونواف، في الوفد الذي ترأسه للسفر إلى الولايات المتحدة سنة 1945، فكان شاهداً على واقعة توقيع والده على ميثاق الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو في تلك السنة، وانضمام بلاده إلى هيئة الأمم المتحدة، كعضو مؤسس. وحينما شكلت أول حكومة سعودية في حياة الملك عبد العزيز سنة 1950، قبل تأسيس مجلس الوزراء، وكانت مكونة من رئيس (ولي العهد الأمير سعود)، وأربعة وزراء فقط، لإدارة خمس حقائب وزارية، عـُهدت إليه حقيبتا الداخلية والصحة، فدخل تاريخ بلاده، كأول وزير للداخلية، وأول وزير للصحة، علماً بأنه احتفظ بالحقيبتين معاً في التشكيل الوزاري الثاني، برئاسة الملك سعود، سنة 1953 م، قبل أن يخرج من الحكومة في التشكيل الوزاري الثالث، سنة 1960.

إبان توليه وزارة الداخلية، التي كان من ضمن مسؤولياتها آنذاك، قطاع الرياضة والكشافة، لعب دوراً هاماً في إحياء وتنظيم وتطوير الحركة الرياضية والنهوض بها. فعلى سبيل المثال، ساهم في إقامة أول دوري رسمي منظم لكرة القدم السعودية على كأس باسمه، بين فرق مكة وجدة، وشارك في تأسيس الاتحاد العربي السعودي لكرة القدم، سنة 1954، وتمكن بجهوده من حصول بلاده على عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، في عام 1956، وأسس صندوق اللاعبين عام 1955، وكان وراء فكرة اعتماد ثلاث بطولات سعودية لكرة القدم، على رأسها كأس الملك وكأس ولي العهد.

والحقيقة أن من يؤرخ للأمير عبد الله الفيصل، لا يمكنه أن يتجاوز مآثره وأياديه البيضاء على الأندية السعودية بصفة عامة، وعلى النادي الأهلي بجدة بصفة خاصة. إذ إنه عشق أهلي جدة، وصار من أحب الأندية السعودية إلى قلبه، وبالتالي، وقف طوال حياته داعماً رئيساً له.

بدءاً من مطلع الستينيات الميلادية، ترك الأمير العمل الحكومي، وتوجه نحو العمل الخاص، فقام بإنشاء مجموعة الفيصلية، التي تعد من كبريات المؤسسات التجارية والمالية والاستثمارية السعودية، ذات الأنشطة المتعددة. غير أنه لم يتخلَ عن اهتماماته الشعرية والرياضية والفكرية، فواصلها في خضم أعبائه ومسؤولياته، التي شملت رئاسته لمجلس أمناء مؤسسة الملك فيصل الخيرية، التي تصدر عنها جائزة الملك فيصل العالمية، وعضويته في مجلس أمناء مؤسسة الفكر العربي، ورئاسته لمجلس إدارة شركة النقل البحري السعودية.

وبسبب جهوده في مجال الرياضة السعودية، تمّ تكريمه، بإطلاق اسمه على ملعب رعاية الشباب بجدة، وذلك بأمر من خادم الحرمين الراحل، الملك عبد الله بن عبد العزيز، عندما كان ولياً للعهد، كما حملت اسمه بطولة الصداقة الدولية التي أقيمت لعدة سنوات في مدينة أبها.

ومن جهة أخرى، لم تغب مجالات العمل الإنساني عن قائمة اهتماماته، فقد كان حاضراً فيها، من خلال مبادرته المتكررة لتسديد الديون عن عدد معتبر من السجناء والمعسرين، ومساعدة الأسر الفقيرة، وقضاء حوائجها.