تشكل الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى الصين هذا الشهر خطوة مهمة لإبقاء العلاقات الأمريكية الصينية في «دائرة التنافس» وعدم الانزلاق إلى مستويات خطيرة من الصراع أو الوصول إلى «حافة الهاوية»، ويمكن وصف هذه الزيارة بأنها أولى ثمار اللقاءات المباشرة بين الرئيس الصيني شين جين بينغ وكل من الرئيس الأمريكي جو بايدن ونائبته كاميلا هاريس في ديسمبر الماضي.
لكن يقع على بلينكن والقادة الصينيين رسم طريق جديد للعلاقة بين واشنطن وبكين بما يحافظ على مساحات التعاون الحالية، واستكشاف مجالات جديدة تقنع الطرفين بأن العمل معاً من شأنه تحقيق الحد الأدنى من مصالح البلدين دون الدخول في حروب باردة أو ساخنة سواء في المجالات العسكرية أو حتى الاقتصادية. فكيف يمكن «بناء نهج أمريكي صيني جديد» يكون «رافعة قوية» للسلام والاستقرار الدولي؟
الاعتماد المتبادل
يحتاج الطرفان الأمريكي والصيني لتذكير بعضهما باعتماد كل منهما على الآخر، إذ لا يستطيع الجانب الأمريكي أن يغفل أهمية ودور المصانع الصينية في تلبية الكثير من الصناعات الوسيطة المهمة جداً للصناعات الأمريكية، وأن المصانع الأمريكية تعتمد على الواردات الصينية لخلق وظائف جديدة للأمريكيين، وقد ظهرت أهمية هذه الصناعات ليس فقط للولايات المتحدة بل للعالم أجمع عندما أغلقت المصانع الصينية أبوابها بسبب زيادة الإصابات بـ «كورونا»، كما أن الكثير من الصناعات الصينية لا يوجد بديل عنها حتى الآن مثل صناعات أشباه الموصلات والرقائق الالكترونية، حيث تسبب النقص في هذه الصناعات بأزمة غير مسبوقة لصناعة السيارات الأوروبية أو الأمريكية.
على الجانب الآخر، من المهم للصين أن تدرك أن سبباً رئيسياً في انطلاقتها ووصولها للمركز الثاني عالمياً في الاقتصاد يعود للولايات المتحدة الأمريكية، فقبل الاعتراف الأمريكي بالصين عام 1979، وبدء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين كان في الصين ملايين الفقراء، وساعد الانفتاح على أمريكا ومن خلفها الدول الغربية على وصول البضائع الصينية إلى الأسواق الغربية.
كما أن الاستراتيجية الأمريكية خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات كانت تقوم على دعم الصين بالتكنولوجيا حتى تسد العجز في الكثير من الصناعات التي تخلت الولايات المتحدة واليابان ودول في الاتحاد الأوروبي عن تصنيعها. واليوم يصل معدل التبادل التجاري بين الصين من جانب والولايات المتحدة وحلفائها من جانب آخر لنحو تريليوني دولار.
حيث قدرت إحصائيات عام 2022 حجم التجارة بين الصين مع الولايات المتحدة بنحو 750 مليار دولار، وبين الصين والاتحاد الأوروبي بـ850 مليار دولار، وبين الصين واليابان بـ330 مليار دولار، وارتفعت لنحو 200 مليار دولار بين الصين من جانب وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا من جانب آخر.
أدوات وأهداف جديدة
المهمة الأولى لزيارة بلينكن للصين، والتي تأتي بعد 4 سنوات كاملة من آخر زيارة لوزير خارجية أمريكي لبكين، تقتضي العمل على مجموعة من الأدوات والأهداف الجديدة، أهم هذه الأدوات، هو دعم الاتصال المباشر بين الجانبين، لأن سبباً رئيسياً للتوتر الذي شاب العلاقة بين الطرفين هو انقطاع الزيارات الكبيرة بين بكين وواشنطن، وحتى اللقاءات عبر الفيديو كونفرانس بين قادة البلدين تأخرت كثيراً، وكانت في الحدود الدنيا خلال عامين من ولاية الرئيس بايدن.
كما أن تركيز «الدعاية الأمريكية» ضد الحزب الشيوعي الصيني، ووصم الصين للولايات المتحدة وحلفائها بـ «القوى الإمبريالية» لا يساعد في حل الخلافات، كما يتوجب على الولايات المتحدة بناء جسر من الحوار بين الصين والمعارضين لها في هونغ كونغ والتبت وشينغيانغ، بعد أن تأكد لها أن منهج «الثورات الملونة» لن يجدي مع التنين الصيني.
المؤكد أن عودة الزيارات الكبيرة بين بكين وواشنطن تساهم ليس فقط في تخفيف التوتر بين البلدين، بل تشكل حصانة ومناعة لعدم الانزلاق نحو «حافة الهاوية».