قد لا يكون مفاجئاً، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحتل المرتبة الأولى بين سياسيي بلاده في استطلاعات الرأي العام، التي تحاول أن تستقرئ توجهات الشارع الروسي، في ختام عام من العمل السياسي، لكن بقية الأسماء في قائمة الأفضل، جديرة بلفت انتباه من يراهن على انخفاض حاد في شعبية بوتين، بما يمكن أن يغير سياساته، لا بل وتوجهاته.
والأمر بالغ الدلالة هنا، حيث لكل اسم معنى، ولكل ترتيب في القوائم دلالة. ولكن هذه الأسماء بمجملها، يمكن أن تثير تشاؤم الغرب بشدة، رغم أنها جديرة بجعله يعيد حساباته، ويبنيها على الواقع، لا على الرغبات، فالقائمة كلها من صقور الدولة الروسية، أو يمثلون جهات سيادية، لبعضها مواقف أشد تصلباً من بوتين نفسه.
وليس هذا فقط، فقائمة أحد الاستطلاعات استدعت سياسياً راحلاً متشدداً إزاء الغرب، واشتهر بتأكيده المستمر على ضرورة تحول روسيا الكامل باتجاه آسيا والشرق العربي. واعتبره المواطنون الروس من بين أفضل السياسيين!
من اللافت أن المواطنين الروس يكادون يجمعون على أن رئيس الوزراء، ميخائيل ميشوستين، هو السياسي الثاني الأفضل، بعد بوتين. وهذا بالطبع له مغزاه العميق، فمثل هذا التصويت له، هو تعبير واضح عن رضا الشارع الروسي عن أداء الحكومة في الفترة الحرجة التي تعيشها البلاد، منذ إعلان العقوبات الغربية على موسكو.
هذا يعني، أولاً: أن العقوبات الغربية، التي لم تحقق مستوى النجاح المأمول في عزل روسيا دولياً، لن تؤثر بشكل ملموس على الداخل الروسي، كما يعني، ثانياً: أن الإجراءات التي تتخذها حكومة بوتين تحظى بتأييد إلى حد ما، وأن الحديث عن تململ في الشارع قد يكون محض رغبات.
وبالمثل، تنوه هذه الاستطلاعات بوزير الخارجية، سيرجي لافروف، وهو يحتل المركز الثالث. ودلالة هذا واضحة، و هو ما يشير ألى أن جدار الحماية الذي يتسلح به الرئيس الروسي يقف معه في توجهاته الخارجية.
كما ضمت قائمة الأفضل سياسياً في روسيا وزير الدفاع، سيرجي شويغو، وهو ما قد يعني أن التأييد الحاصل للرئاسة وتوجهاتها في قيادة البلاد، الذي يشمل السياستين الداخلية والخارجية، لا يغفل في تأييده الحرب القائمة.
وهذا انطباع يتعزز بملاحظة المواقع المتقدمة، التي يحتلها نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ديمتري مدفيديف، الذي لطالما كان المواطنون الروس يعتبرونه مجرد ظل لبوتين. ولكن ها هو اليوم، بتصريحاته النارية، يلاقي هوى لديهم.
في أحد الاستطلاعات، يرد في المرتبة الخامسة اسم السياسي الراحل، فلاديمير جيرينوفسكي، الذي توفي في أبريل الماضي. أي، بعد أكثر من شهر بقليل على بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. ما يجعل من هذا التصويت ذا دلالة خاصة، أيضاً، فالرجل من أكثر المتشددين في الموضوع الأوكراني. وكان، منذ سنوات، يدعو إلى الحزم في المواجهة مع الغرب، وإلى الحل العسكري في الموضوع الأوكراني.
هنا، يمكن أن تثار عدة أسئلة وجيهة، أولها: هل يمكن الثقة بالاستطلاعات الروسية..؟ ألا يمكن أن تكون جزءاً من أدوات الدعاية الرسمية..؟
بالطبع، تمتلك الدولة الروسية القوة الكافية لتسخير كل شيء في إطار إظهار مواقفها. ولكن تاريخياً، الثقافة السياسية في روسيا، خلافاً لما تعودنا أن نراه في الولايات المتحدة، لا تقوم من حيث الأساس على استطلاعات الرأي، ولا تتأثر بها، لا سلباً ولا إيجاباً.
حسناً، إذا كان علينا أن نثق بنتائج هذه الاستطلاعات، فإن ذلك يدفعنا إلى السؤال: لماذا يؤيد الشعب الروسي أكثر السياسيين المتصلبين في موسكو، أحياءً وأمواتاً، ويمحض دعمه للعملية العسكرية الخاصة التي يقوم بها جيش بلاده في أوكرانيا..!؟
يمكن أن نعثر على بعض الإجابات في موسكو. ولكن هذا سؤال إجاباته الكاملة الشافية الوافية موجودة، بالأساس، في العواصم الغربية.
* كاتب أردني