قال الله تعالى في كتابه العزيز «قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظ» (صدق الله العظيم) من سورة «ق» الآية 4.

تمضي السنون بنا: «فإذا ما ورد في كتاب للبروفيسور، كيشورمحبوباني (ما بعد عصر البراءة)» يجسد لنا كل التداعيات المرتبطة بحادثة الفيلم المسيء لأشرف خلق الله جميعاً المصطفى صلى الله عليه وسلم، كما يعيد للأذهان إسقاطات حقبة التسعينات والآثار التي صاحبت قنبلة البيروسترويكا، ومعها انتهى عصر الحرب الباردة وانفتح الباب على مصراعيه لدخول تيار العولمة..! كما ظهرت في الأفق طلائع النظام العالمي الجديد، بزعامة القطب الأوحد الولايات المتحدة الأمريكية.

وكأن «محبوباني» قد تنبأ بالمستقبل، بعد قراءته الموضوعية لمسار خط التاريخ السياسي للعالم المعاصر! في وقت ظن الناس فيه أنه ومع نهاية الحرب الباردة سيشيع السلام، وستشهد البشرية استقراراً مصحوباً بنشر مبادئ الديمقراطية.. وسيادة مفاهيم حقوق الإنسان والشفافية والاستدامة؟!

يقول المؤلف: للأسف مع طلائع الألفية ومع بداية خريف السنة الأولى، نفاجأ بحادثة المركز التجاري العالمي في منهاتن، فإذا بكل الموازين تتبدل! وبدأت ملامح صورة جديدة للعالم تتشكل عندما رفعت أمريكا العصا الغليظة في وجه عدو جديد أطلق عليه «الإرهاب الدولي»، فإذا بالعالم كله يصاب بحالة اضطراب، فشعرنا أننا نساق قسراً إلى حيث لا ندري ولا نعلم..! وهذه المقاربة تعيدنا للذاكرة.

عندما اعتزم النائب الهولندي اليميني المتطرّف...«خيرت فيلدرز» في عام 2018 تنظيم مسابقة دولية حول رسوم كاريكاتيرية تسيء للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، يستضيفها مقر البرلمان الهولندي قبل نهاية العام المذكور.. استفز الأمر وقتها مشاعر الملايين من مسلمي شتى بلاد العالم، الذين خرجوا للتعبير عن استيائهم واستنكارهم لهذا العبث بغرض الإساءة للإسلام والمسلمين..! وهاهي الكرة تعيد نفسها مجدداً قبل أيام عندما قام سياسي يميني متطرف من المناهضين للهجرة يدعى راسموس بالودان، بإحراق نسخة عن القرآن الكريم أمام السفارة التركية في السويد بحجة الديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث توالت ردود الفعل الغاضبة وبشدة من كافة الدول العربية والإسلامية من دون استثناء على فعلته المشينة النكراء.

وبعد ذلك بأيام قليلة أقدم قيادي في حركة «بيغيدا» المعادية للإسلام على تمزيق صفحات نسخة من القرآن الكريم أمام مقرّ مجلس النواب الهولندي في لاهاي وأحرق عدداً من صفحاته.

وأدانت، دولة الإمارات العربية المتحدة، وبغضب شديد ما أقدم عليه هذان المتطرفان في لاهاي وستوكهولم من حرق لنسخة من القرآن الكريم، مؤكدة في بيان وزارة الخارجية والتعاون الدولي، رفض دولة الإمارات الدائم لجميع الممارسات التي تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار وتتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية.

وشدد البيان على ضرورة احترام الرموز الدينية والمقدسات والابتعاد عن التحريض والاستقطاب في وقت يحتاج فيه العالم إلى العمل معاً من أجل نشر قيم التسامح والتعايش، ونبذ الكراهية والتطرف.

كما أعاد:«الأزهر الشريف» التأكيد على أن هذه الأفعال الإجرامية الصادرة من الهمج لن تنال من حرمة المصحف الشريف في قلب إنسان متحضر؛ وسوف يظل في عليائه كتاباً هادياً للإنسانية جمعاء، وموجهاً لها لقيم:«الخير والحق والجمال»، لا تنال من قدسيته أحقاد الضالين المجرمين، ولا تصرفات باعثي التعصب والحقد والنفوس المريضة، من أصحاب السجلات السوداء في تاريخ التعصب والكراهية وحروب الأديان. مطالباً المجتمع الإنساني.. والمؤسسات الدولية.. وحكماء العالم.. بالوقوف في وجه محاولات العبث بالمقدسات الدينية، وإدانة هذه الأفعال الإجرامية، ووضع حد لفوضى مصطلح «حرية التعبير» واستغلاله في سوق السياسات والانتخابات، وإساءة استخدامه فيما يتعلق باستفزاز المسلمين واحترام مقدساتهم، وفتح تحقيق عاجل: حول تكرار هذه الحوادث.. التي لا تقل في خطرها عن مردود الهجمات الإرهابية، مشدداً:«على أن السماح لهؤلاء المجرمين بتكرار هذه الاستفزازات تحت شعار «حرية التعبير» -ولو بالصمت-؛ هو تواطؤ منبوذ يعيق من جهود تعزيز السلام وحوار الأديان والتواصل بين الشرق والغرب، وبين العالم الإسلامي والعالم الغربي..!

من المعروف أن نطاق حرية التعبير ليس مطلقاً كما هو منصوص عليه في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والأهم من ذلك أن المادتين 19 و 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ينصان بوضوح على أن حرية التعبير ليست حرية وحقاً مطلقاً حيث تقتضي ممارستها واجبات ومسؤوليات خاصة لضمان التماسك المجتمعي وكذلك احترام حق وسمعة وحقوق الآخرين.

إن تزايد مستوى كراهية الأجانب والتعصب في أوروبا على وجه الخصوص وفي العالم أجمع لا يمكن مواجهته إلا من خلال تعزيز ثقافة التسامح واحترام التنوع الثقافي والديني وتشجيع الحوار بين الأديان والثقافات على جميع الصعد وبكافة الاتجاهات.. وهو الأمر الذي تسعى له بلادي، دولة الإمارات العربية المتحدة، جاهدة بكل ثقلها دوماً في كافة المناسبات والمحافل الدولية.

 

* كاتبة إماراتية