يبدو منطقياً للغاية أن تنشر قبل أيام هذه الاتفاقية المزيفة المزعومة عن تعاقد هيئة قناة السويس المصرية مع إحدى الشركات الأجنبية لإدارة خدماتها من خلال عقد امتياز مدته 99 عاماً، وأن تروج له وسائل ومنصات إعلام جماعة «الإخوان» فور تلقيها الخبر المزور. فالمنطقي في نشر هذه الوسائل والمنصات للخبر المزيف لا يخرج عن عادة «الإخوان» ليس فقط في الترويج للأخبار الكاذبة والإشاعات المتعلقة بمصر خصوصاً والدول العربية الوطنية الأخرى التي تعاديها الجماعة، بل وأيضاً اصطناع و«فبركة» الأخبار والوثائق المزورة التي تختلق كل ما هو سلبي يتعلق بمصر وهذه الدول. فإشاعة اليأس وترويج التشاؤم بين صفوف الشعب المصري وشعوب هذه الدول ومحاولة تحريضهم، هدف ثابت لم يتغير في دعاية «الإخوان» منذ إسقاط الشعب المصري حكمهم الأسود بثورته العظيمة في 30 يونيو 2013.

أما لماذا يبدو منطقياً أن تكون قناة السويس هي الهدف المفضل والأبرز لأكاذيب «الإخوان» وإشاعاتهم، وترافق بدء هذا مع تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية في 8 يونيو 2014 بعد انتخابه من الشعب المصري صاحب ثورة يونيو 2013، فإن إجابته تكمن في تاريخ ومعنى القناة للشعب المصري وموقعها في سياسة الدولة المصرية منذ تولي الرئيس السيسي قيادتها. فالقناة بالنسبة للمصريين، ليست مجرد المجرى المائي الصناعي الأطول والأهم في العالم، بل هي «حكاية شعب وكرامته» ارتبط بها لأكثر من قرن ونصف القرن من تاريخ دولته الحديثة التي يزيد عمرها على القرنين بقليل.

استغرق حفر قناة السويس خمسة عشر عاماً من عمر الشعب المصري (1854 - 1869)، وشارك فيه نحو مليون مواطن في بلد كان تعداده حينها نحو 4,5 ملايين نسمة، أي بمشاركة نحو 22% منهم، واستشهد خلال الحفر ما يزيد على 120 ألفاً بفعل الإرهاق والجوع والحوادث بخلاف من جرحوا أو مرضوا. وبعد أن انسحبت القوات البريطانية من معسكراتها في مدن مصر لتتمركز في مدن القناة، وبخاصة الإسماعيلية، بعد توقيع معاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا، أتي إلغاء المعاهدة عام 1951 لتتحول القناة ومدنها لمقصد الشباب المصري ليخوض مقاومته المسلحة الباسلة على ضفتيها ضد قوات الاحتلال.

وعندما قرر الرئيس جمال عبد الناصر تأميم القناة عام 1956 لتعود لأول مرة السيادة المصرية كاملة عليها، خاضت مصر أول حروبها دفاعاً عن ثورتها وعن أراضيها وعن قناتها على ضفتيها وفي مدنها، في مواجهة العدوان الثلاثي البريطاني – الفرنسي – الإسرائيلي.

واستمرت الحروب على ضفتي القناة عامي 1967 و1973 وبينهما حرب الاستنزاف الطويلة، وفاضت أرواح الشهداء من أبنائها وسالت دماء المصابين منهم، بعشرات الآلاف، لتضحي القناة رمزاً لكرامة الوطن وشعبه.

ولذلك المعنى المركزي لقناة السويس لدى المصريين وفي تاريخهم، فقد كان القرار الأول لرئيس مصر الجديد بعد نحو شهر من توليه المنصب هو دعوة المصريين للمساهمة في ازدواج القناة بنسبة 50% وزيادة أطوالها بمقدار 72 كم وتقليل مدة عبور السفن لها وتعميقها لتسمح بمرور أجيالها الجديدة العملاقة، بحفر قناة السويس الجديدة، وهو ما استجاب له المصريون في أقل من أسبوعين بجمع نحو 60 مليار جنيه. وبعد عام بالضبط من بدء الحفر في 5 أغسطس 2014، افتتحت القناة الجديدة في 6 أغسطس 2015، لتصبح رمزاً للحكم الجديد في تعبيره عن «حكاية الشعب وكرامته» وقدرته على البدء في إعادة بناء مصر وبنيتها التحتية بالكامل خلال السنوات التالية والحفاظ على استقلال قرارها.

لذلك كان منطقياً أن يتعرض كل ما له صلة بقناة السويس طوال الأعوام الماضية لأكاذيب وتزوير «الإخوان» وحملاتهم الدعائية السوداء، وصولاً للاتفاقية المزورة المزعومة الأخيرة، والتي ينضح التزييف الساذج البدائي من كل حرف فيها، ويبدو واضحاً في مبناها ومعناها أنها تستهدف – بالكذب والتزوير – الشعب المصري في رمز كرامة بلاده وتضحياتها ودفاعها عن أراضيها واستقلال قرارها: قناة السويس، والتي مع كل شيء وقبل كل شيء، فهي ليست مجرد أهم وأطول ممر مائي صناعي في العالم، بل هي حكاية شعب مصر وكرامته في العصر الحديث.

 

* باحث وكاتب والرئيس الفخري لاتحاد الصحافيين العرب