في أحايين كثيرة ينتج فيلم سينمائي عن حدث تاريخي مهم، ويُبذل فيه جهد عظيم، وتنفَق عليه أموال كثيرة، لكنه يظل حبيس الأدراج دون عرض لأسباب متنوعة.. هذا ما حدث للفيلم المصري «حائط البطولات» من إخراج محمد راضي، وإنتاج شركة قطاع الإنتاج في عام 1999، وتمثيل محمود يس وفاروق الفيشاوي وأحمد بدير وخالد النبوي وحنان ترك وعايدة عبدالعزيز وندى بسيوني ومها أحمد وسميرة محسن، وغيرهم.

يتناول الفيلم، في قالب درامي، فترة حرب الاستنزاف، ودور قوات الدفاع الجوي المصري، وعمليات تطوير هذه القوات من خلال علاقات إنسانية متشابكة للجنود والضباط المشاركين في التطوير.

تناول الناقد والسيناريست المصري مصطفى محرم حكاية إنتاج هذا الفيلم في الجزء الخامس من كتابه «حياتي في السينما»، فأخبرنا أن من كتب قصته هو المشير محمد علي فهمي، ومساعده العميد إبراهيم رشاد، اللذان كانا شاهدين على أحداثه من موقع مسؤوليتهما في قوات الدفاع الجوي، ولأنهما عسكريان وليسا كاتبين، فقد احتوى سيناريو الفيلم على تفاصيل كثيرة لا يمكن لأي فيلم استيعابها، ومن هنا طلب من مصطفى محرم أن يعيد كتابة السيناريو وأن يحول تلك المادة التاريخية والعسكرية إلى عمل سينمائي إبداعي ممتع.

قام محرم بالمطلوب منه على أكمل وجه، واستطاع أن يختصر 500 صفحة في عدد أقل من الصفحات، من خلال حذف بعض الأحداث المتكررة والتفاصيل غير الضرورية والمعالجات الفنية. وبدوره، قام المخرج محمد راضي بتأمين الدعم اللازم من القوات المسلحة، وحصل منها على إذن بالسماح للفنيين بتصوير منصات الصواريخ والأسلحة والطائرات، ودخول المنشآت العسكرية.

يقول محرم إنه بعد انتهاء التصوير وعملية المونتاج قام المخرج بعرض نسخة من العمل على قادة سلاح الدفاع الجوي، فلم يبدر منهم أي اعتراض، لكن مدير الشؤون المعنوية بالجيش، بعد مشاهدته الفيلم، قام بإبلاغ قائد القوات المسلحة ورئيس هيئة الأركان ما مفاده أن الفيلم ينسب انتصار أكتوبر 1973 لسلاح الدفاع الجوي، وليس للضربة الجوية الأولى بقيادة الرئيس حسني مبارك.

كما هو متداول، وأن موافقة مسؤولي الجيش على عرض الفيلم للجمهور قد تعرضهم للمساءلة والعقاب. ويضيف محرم: «يبدو أن وزير الإعلام في ذلك الوقت صفوت الشريف قد علم بالأمر، بسبب مساهمة اتحاد الإذاعة والتلفزيون في إنتاج الفيلم، فأدرك أن عرضه سيسبب له الكثير من المتاعب مع الرئيس مبارك، فآثر السلامة، وقرر حفظ الفيلم».

لاحقاً تبيّن أن التوقعات حول غضب الرئيس من الفيلم كانت صائبة. حدث ذلك حينما تصادف وجود عادل حسني (الشريك في إنتاج الفيلم) في باريس مع زيارة رسمية للرئيس مبارك لفرنسا، ففي لقاء جمع الرئيس بالمصريين المقيمين والموجودين بفرنسا، وجد عادل حسني نفسه أمام الرئيس وجهاً لوجه، فإذا بالأخير يقول: «سبب نصر أكتوبر الضربة الجوية»، ففهم عادل حسني من تلك اللحظة أن فيلم «حائط البطولات» لن يعرض تجارياً.

يقول محرم إنه تفادياً لخسارتهما، حاول منتج ومخرج الفيلم أن يعالجا المشكلة بحقن الفيلم ببعض المشاهد التي تبين دور سلاح الجو في نصر أكتوبر، ومشاهد أخرى يظهر فيها الرئيس مبارك بزي الطيران، لكن محاولاتهما لم تنجح.

وهكذا لم يرَ الفيلم النور إلا بعد نهاية حكم مبارك، حيث قام المخرج محمد راضي وشريك الإنتاج عادل حسني بإعادة عرض نسخة من الفيلم على قادة القوات المسلحة ووزير الإعلام الجديد، فأبدوا موافقتهم على عرضه في دور السينما، وبذلك تمّ الإفراج في عام 2014 عن فيلم صنع في 1999 بعد أن ظل ممنوعاً من العرض لمدة 13 عاماً.