تنطلق، اليوم الاثنين، الدورة العاشرة للقمة العالمية للحكومات بدبي، التي تأسست فيها عام 2013، واستمرت في الانعقاد بها سنوياً، وتتوسع في موضوعاتها، ويزداد عدد المشاركين فيها ليصل في الدورة الحالية إلى ما يزيد على عشرة آلاف مشارك. ويتوزع هؤلاء المشاركون بين فئات عدة، بما يعطي للقمة تفردها على المستوى العالمي في مجالها، فهناك نحو 20 رئيس دولة ورئيس حكومة، وما يزيد على 250 وزيراً، وآلاف من رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين وقادة الفكر والخبراء العالميين من الأبرز في العالم، وممثلين لأكثر من 80 منظمة عالمية وإقليمية رئيسة.
وتشهد فعاليات القمة، انعقاد أكثر من 220 جلسة، يتحدّث فيها 300 شخصية عالمية من القيادات الرسمية والخبراء والمفكرين وصناع المستقبل، وتستضيف القمة أكثر من 22 منتدى عالمياً، ويصدر عنها هذا العام 20 تقريراً معرفياً، بالتعاون مع مجموعة من أبرز المؤسسات البحثية العالمية، كما من المتوقع أن تشهد الدورة الحالية من القمة، عقد 80 اتفاقية ثنائية، ويتم أثناء انعقادها تقديم 7 جوائز عالمية كبرى.
بهذه الأرقام، التي يمكن وصفها بالقياسية، وبالنظر إلى أن القمة تعد أكبر تجمع حكومي من نوعه عالمياً، حيث يشارك بها أكثر من 150 دولة، نحن إزاء عدة خصائص لهذه القمة، سواء في تطورها، أو في دورتها الأخيرة العاشرة، تلفت الأنظار. فأولاً، تطورت القمة تطوراً نوعياً، منذ انطلاق دورتها الأولى عام 2013، حيث تحولت «القمة الحكومية»، وهو اسمها الأول، في دورتها الرابعة، التي عقدت عام 2016، إلى «القمة العالمية للحكومات»، بعد أن أدخلت عليها مجموعة من التغييرات الجذرية، حيث تم تحويلها من حدث عالمي سنوي مهم، إلى مؤسسة عالمية، تعمل بانتظام طوال العام، وتركز على استشراف المستقبل في جميع القطاعات، إضافة إلى إنتاج المعرفة لحكومات المستقبل، وإطلاق التقارير والمؤشرات التنموية العالمية، وبناء شراكات مع أهم المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجامعة الدول العربية، والبنك الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والمنتدى الاقتصادي العالمي، وغيرها. وهنا، تختلط الإرادة السياسية مع الرؤية المخططة والإبداعية والمستقبلية، لتثمر هذا التحويل الكبير لطبيعة القمة، من حدث لمؤسسة.
الحاضر والمستقبل
ومن ناحية ثانية، فإن هذا التحويل والتطوير لطبيعة القمة، يواكب ويستجيب للحاجات والمطالب التي تطورت بين شعوب العالم، ومن ثم ضرورة انعكاسها على أداء حكوماتها. وما يجمع بين كل هذه المطالب والحاجات المتنامية بين الشعوب، هو أنها، وإن كانت تعكس ما هو حال وعاجل في واقعها الراهن، إلا أنها ترتبط مباشرة بكل تطلعات هذه الشعوب وآمالها، وأيضاً هواجسها تجاه المستقبل. والحاضر والمستقبل معاً، مرتبطان في القمة، ويتمحوران حول القضايا الرئيسة التي تمثل أولويات العالم، شعوباً وحكومات، والتي يمكن تلخيصها في جملة واحدة قصيرة: التنمية المستدامة، وتلبية حاجات الشعوب، وصولاً إلى رفاهيتها المنشودة. فالقمة معنية في دوراتها السابقة، والحالية بشكل أخص، بالتركيز على «استشراف حكومات المستقبل»، وهو شعار دورتها الحالية، وخصوصاً كيفية توظيف التكنولوجيا والابتكار في التصدّي للتحديات المتعاظمة التي تواجه البشرية حالياً، وفي تطورها المستقبلي.
ولأجل السعي لتحقيق هذا، تضم القمة الحالية مجموعة من الجلسات الحوارية التفاعلية، تتوزع بين 6 محاور رئيسة، تشمل: مستقبل المجتمعات والرعاية الصحية، وحوكمة المرونة الاقتصادية والتواصل، والتعليم والوظائف كأولويات الحكومة، وتسريع التنمية والحوكمة، واستكشاف آفاق جديدة، وتصميم واستدامة المدن العالمية. من ناحية ثالثة وأخيرة، وانطلاقاً من أن هدف القمة الدائم منذ بدايتها، هو واقع الإنسان ومستقبله في كل المسارات التنموية، فقد ظلت المحاور الرئيسة في كل دوراتها ثابتة العناوين، متنوعة المضامين، بحسب كل دورة، وتتضمن: مستقبل المجتمعات والسياسات، والتكنولوجيا وتأثيرها في حكومات المستقبل، والصحة وجودة الحياة، والبيئة والتغيّر المناخي، والتجارة والتعاون الدولي، والتعليم وعلاقته بسوق العمل ومهارات المستقبل، والإعلام والاتصال بين الحكومات والشعوب. ولكي تتحقق آمال الشعوب عبر حكوماتها في كل هذه المحاور، فقد أضحت مؤسسة القمة منصة رئيسة لتحقيق أمرين معاً: الأول هو تعزيز قنوات التواصل والتعاون المشترك بين القطاعين الحكومي والخاص، ما يدفع جهود التنمية الاقتصادية في الكثير من دول العالم، والثاني هو أنها أصبحت المساحة المشتركة الدائمة لتلاقي وتبادل التجارب والخبرات، التي تؤثر في مستقبل الشعوب وحكوماتها، لتشخيص المشكلات التي تعانيها، وتقديم الحلول الملائمة لها.
* باحث وكاتب والرئيس الفخري لاتحاد الصحافيين العرب