في القمة العالمية للحكومات هناك الكثير من الحوارات حول التعامل مع الحاضر والمستقبل. والسؤال الذي، أيضاً، يستحق أن يطرح اليوم هو حول الغد الوشيك الذي يؤذن ببداية الثورة الصناعية الرابعة. ما الذي تخطط له الحكومات أمام التغييرات الكبرى المتوقعة في مجالات التعليم والوظائف والطاقة وتخطيط المدن وغيرها؟

للوهلة الأولى، تبدو نيوم للبعض، المدينة الأسطورية الموعودة في المملكة العربية السعودية، مجرد فكرة عبثية. في الحقيقة هي مدينة جديدة سيتم بناؤها في شمال غرب السعودية، حيث تكون أقرب نقطة إلى قارتي أوروبا وأفريقيا. الحكومة السعودية قررت أن تضعها على الخريطة، سواء كانت مجرد مدينة أخرى من الطوب والحديد المسلح، أم تصبح مدينة لا تشبه مدن القرون الماضية، بل تستجيب للتوقعات من الإنجازات المقبلة. على مدى العقود الثلاثة المقبلة، حينما يكتمل بناء المدينة الموعودة، يكون العالم قد تغير حقاً. سيارات ذاتية القيادة، طائرات درونز للنقل داخل المدن، روبوتات لكل المجالات، ذكاء اصطناعي، بلوك تشين، والتقنية الحيوية، وإنترنت الأشياء، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وغيرها.

لدى كل حكومة مشروعها، ومشروع الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي وافق عليه الكونغرس في نوفمبر الماضي، يقوم على إصلاح البنية التحتية في الولايات المتحدة. ويشمل تأهيل عشرين ألف ميل من الطرق، وعشرة آلاف جسر وغيرها. لابد أنها ضرورية للعشرين سنة المقبلة، لكنها تعالج مشاكل اليوم وسيتعين على رئيس مقبل آخر أن يقدم مشروعاً للمستقبل.

نيوم السعودية، مشروع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مدينة تبنى من الصفر. يقول، ليس مضطراً لاستخدام أدوات القرن العشرين في وقت العالم يستعد للقفز بعيداً. في المدينة الموعودة، بدأ الحفر فعلاً قبل ثلاثة أشهر لبناء مدينة «ذا لاين»، على مساحة 34 كيلومتراً مربعاً فقط، سيسكنها تسعة ملايين شخص. إنها فكرة جذابة تستحق على الأقل الترقب، مدينة بلا سيارات، تديرها وتضيئها التقنية الحديثة النظيفة. قد تكون النموذج الجديد المطلوب في عالم ينادي بالتخلي عن منظومة النقل الملوثة ويبحث عن حل للاختناقات وتبني إدارة أفضل للأصول.

العالم يواجه تحديات مختلفة في مرحلة من مراحل التطور البشرية. قبل مئة عام سرعان ما واجه العالم وضعاً جديداً عليه، عندما نجح هنري فورد في طرح سيارات للجميع بأسعار مناسبة. مليونا سيارة في عام 1924 في الأسواق. هكذا غزت السيارات المدن وغيرت حياة الناس والمجتمع. لوس أنجلوس، مثلاً، خضعت لتحول كبير بين 1910 و1920 بعد أن أصبحت السيارات أكثر انتشاراً بدلاً من عربات الخيول. كان الحل في إنشاء شبكة شوارع جديدة أوسع، ثم تطوير نظام الطرق السريعة في المدينة. وما لبث أن ظهر التذمر من الازدحام والتلوث وبدأت عملية هجرة مضادة، ببناء الضواحي الجديدة التي هرب السكان إليها.

علينا أن نتوقع التغييرات العكسية التي ستحدثها التطورات المقبلة الإيجابية للوظائف والمدارس والمستشفيات والفنون وغيرها. سنظل نواجه تحديات تتضخم، الانفجار السكاني، وتناقص الموارد الطبيعية، واستمرار التلوث، والتفاوت المعيشي، والتخلف التقني في أكثر من نصف العالم. سنحتاج إلى الكثير من التعاون لجعل العالم صالحاً للجميع للعيش المستدام.