مر العام الأول على بدء «العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا، كما أسماها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حينها. لم يعد هذا الاسم متداولاً في العالم سوى داخل الأوساط الرسمية الروسية وفي بياناتها العسكرية والسياسية، وحل اسم «الحرب» ليصف كل هذه الأنشطة والتحركات العسكرية من الجانبين، ليضحى العالم أمام الحقيقة المجردة والبسيطة: إنها «حرب» بالفعل كاملة الأبعاد، وليست مجرد «عملية عسكرية» خاصة أو حتى عامة.
ولكن بعد تجاوز وصف ما يجري في هذا الجانب من العالم منذ عام كامل بأنه «عملية عسكرية»، والاستقرار على أنها بالفعل «حرب»، بقي استكمال الوصف بتحديد أطرافها، أي هي حرب بين من ومن. فمن حيث ميدان الحرب الجغرافي وكل معاركها وتحركات القوات المتواجهة فيها مباشرة، فلا شك أنها «الحرب الروسية – الأوكرانية»، فليس هناك في ميادين المعارك من أطراف أخرى تتواجه، بخلاف ما يثار من الجانبين الأوكراني والروسي من وجود «مقاتلين» على كل طرف يحملون جنسيات أخرى غير الدولتين، ممن تختلف مسمياتهم بين «متطوعين» و«مرتزقة» وغيرها. ولكن هل هذا يكفي بعد عام كامل من تطوراتها الميدانية والدولية سواء أكانت عسكرية أم سياسية أم اقتصادية أم دبلوماسية، لوصفها بثقة واطمئنان بأنها «الحرب الروسية – الأوكرانية»، أم أن هناك أبعاداً أخرى لها تغير من اسمها؟
ولنبدأ بأول هذه الأبعاد وهو العسكري. فطوال عام من الحرب، بدا مؤكداً وبكل البيانات الرسمية المعلنة من أصحابها، أن الغالبية الساحقة من الأسلحة التي يحارب بها الجانب الأوكراني ضد القوات الروسية والتي مكنته من مواجهتها، هي من إنتاج الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من دول حلف الناتو الأوروبية على رأسها بريطانيا وألمانيا وفرنسا. وبلغت القيمة المالية لهذه التدفقات من كل أنواع الأسلحة عدا الطائرات المقاتلة والصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، بإعلان أصحابها أنفسهم خلال عام الحرب ما يزيد على 50 مليار دولار. وعلى الجانب الروسي، تبدو كل الأسلحة المستخدمة من إنتاج روسيا، عدا ما أثير عن استخدام بعض الطائرات المسيرة المصنعة في إيران. وبهذا يبدو مؤكداً على الصعيد العسكري، أننا لسنا بالضبط أمام «الحرب الروسية – الأوكرانية»، بل هي فعلياً على مستوى التسليح والتدريب والمعلومات الاستخبارية، «الحرب الروسية – الغربية».
ويظهر هنا البعد الثاني لهذه الحرب والذي تبلور تماماً خلال عامها الأول، وهو المتعلق بشقها الاقتصادي والتجاري والمالي. فمنذ أسبوعها الأول، وقد تأكد تماماً البعد الغربي الأمريكي – الأوروبي لها، حيث توالت الإجراءات المتخذة من كل الدول والتجمعات الغربية الرئيسية، سواء أكانت الاتحاد الأوروبي أم حلف الأطلسي وغيرهما، والتي هدفت بصورة مباشرة إلى محاصرة الاقتصاد الروسي والسعي لضربه بطرق عدة، متخذة شكل العقوبات الاقتصادية على المؤسسات والكيانات والأفراد الروس، ووصلت إلى الحزمة العاشرة منها، والتي أعلنتها المفوضية الأوروبية في الذكرى الأول للحرب قبل أيام قليلة.
ويأتي بعد هذا البعد الثالث للحرب، وهو متعلق بالتحركات الدبلوماسية في الهيئات الدولية كافة وعلى رأسها الأمم المتحدة، وبالترافق معها سياسات الحصار الإعلامي والرياضي والفني والثقافي لروسيا، والتي قام بها وقادها على مستوى العالم كله، التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة. وقد أسفرت هذه السياسات التي يشترك فيها ويقودها ما يزيد على 30 دولة في هذا التحالف، عن حصار حقيقي وشديد على روسيا على كل الصعد المشار إليها.
إذاً، نحن بالفعل أمام «الحرب الروسية – الغربية»، وليس «الحرب الروسية – الأوكرانية»، كما اصطلح عليها الإعلام الدولي عموماً والغربي بصفة خاصة. والاستقرار على صحة ودقة هذا المسمى، ليس فقط من أجل التدقيق العلمي والموضوعي، ولكنه يعكس حقيقة موضوعية خطيرة يجب وضعها في الحسبان عند محاولة توقع مسار هذه الحرب في عامها الجديد ومستقبلها، وهي أن عاماً من حشد كل تلك الجهود الغربية على كل المحاور لم يسفر عن هزيمة أو حتى تراجع مؤثر للجانب الروسي، سواء ميدانياً أم سياسياً أم اقتصادياً، خلال عام بأكمله. كذلك لم يقدم التحالف الغربي على تطوير وجوده في هذه الحرب إلى مستوى المشاركة المباشرة فيها، ولو بتزويد أوكرانيا بالطائرات المقاتلة ولا حتى بالأسلحة الهجومية التي تطال الأراضي الروسية، تحسباً للانزلاق الخطير في هوة حرب عالمية ثالثة.
وهنا يظهر السؤال الأهم والذي لا توجد إجابة كاملة له: هل هذا هو مستوى توازن القوة العالمي الحقيقي بين روسيا والكتلة الغربية؟ وإذا كان كذلك، فكيف سيعكس نفسه في شكل النظام العالمي الحالي أو المقبل بعد عام من اختباره في «الحرب الروسية – الغربية»؟
* باحث وكاتب والرئيس الفخري لاتحاد الصحافيين العرب