في أبجديتنا العربية ثمانية وعشرون حرفاً فقط، نقوم يومياً بتشكيلها في سياقات مختلفة، لتنتج عدداً لا متناهٍ من الكلمات، والعبارات، والجمل التي تعبر عن مرادنا وما نكنه من أفكار ومشاعر، وخيالات، شئنا إيصالها إلى الآخر، وتمريرها إلى محيط أوسع من ذواتنا، وهو عدد قد يقل أو يزيد في اللغات الأخرى، لكنه ينتج وفق آليات تعبيرية متشابهة.
ومع ذلك تتطابق بعض الجمل، لدرجة أننا قد نجد ملايين الأشخاص ينطقون بالكلمات ذاتها، في التوقيت ذاته كل يوم.
ففي اللحظة ذاتها يقول ملايين الطلاب والموظفين والعمال والأطفال، والآباء والأخوة والأصدقاء، فيما بينهم «صباح الخير»، أو «السلام عليكم»، أو حتى لفظة الإجابة على الهاتف «نعم»، وغيرها.
تلك الألفاظ المتطابقة لا تحمل في الواقع دلالات متطابقة كذلك، في نفس السامع أو المتلقي، حتى أن بعض الجمل والكلمات أصبحت تعبر عن عكس مضمونها الاصطلاحي، أو الدلالي المباشر، لتكتسي بمشاعر قائلها، وما يضمنها من إسقاطات نفسية، فتصطبغ بقبسة من روحه ومشاعره، لذلك فالسياق الاجتماعي هو ما يحدد مضمون الكلمات والعبارات المستخدمة.
وفي هذه الأيام، ونحن نستعد لاستقبال عيد الفطر المبارك، أعاده الله علينا وعليكم أجمعين بالخير واليمن والبركات، ستعلو شفاهنا عبارة التهنئة الأشهر «كل عام وأنتم بخير»، تلك العبارة الساحرة التي تسر لها النفوس، وتفتح بأحرفها أبواب القلوب، تطرب لها الآذان، وترتاح لقراءتها أعيننا وألسنتنا، وهي عبارة إن تشابهت حروفها لدى الجميع، سيختلف تأثيرها وألقها ومعناها، بحال قائلها، ومنزلته عند سامعها، فما أجمل تهاني المحبين، والمخلصين، والطيبين.
تحمل عبارة التهنئة الأشهر، ونظائرها مشاعر إيجابية سامية، فهي دعوة لك بأن يديم الله خيره الجليل وفضله الوافر عليك، في كل عام، وكلما هلَّ من جديد هلال العيد السعيد، فما أعظمها حينما تصدر من قلوب محبة مخلصة، وما أجلها من دعوة يستقبلها أحبتنا وأهلنا وأصدقاؤنا ورفاقنا وجيراننا ومعارفنا.
لا يزال الكثير منا يحافظ على زيارة الأهل والأقارب للتهنئة بقدوم العيد، تلك العادة الأصيلة التي نشأنا عليها، والتي تدخل البهجة والسرور على المتزاورين، وبعضنا ربما اكتفى بالمكالمات الهاتفية ورسائل التهنئة المتبادلة، ومع كثرة التفاصيل، ربما اختزل آخرون كل هذا الود في كبسة زر واحدة على هاتفه، ترسل رسالة التهنئة ذاتها للجميع، مصحوبة بصورة تعبيرية أو مقطع مصور أو ما شابه.
يستحق أحباؤنا وأصدقاؤنا ومن نقوم بتهنئتهم أكثر من رسالة جاهزة معلبة، أو صورة تعبيرية، يستحقون بعض الخصوصية في عبارة التهنئة، فإن لم يكن بالزيارة أو من خلال الهاتف، فأحرف قليلة نكتبها خصيصاً لنهديها لهم. مؤكد ستكون ذات وقع أجمل في نفوسهم، وفي نفوسنا نحن أيضاً، حينما نستشعر ما تحمله من أمنيات طيبة، ومعاني سامية، نعم فلصانع النفائس نصيب من طيبها، وكلماتنا الطيبة لأحبائنا.. نفائس وإن تجملت بالبساطة واتسمت بالاختزال.. فكل عام وأنتم بخير.