الثقافة أن تعلم بعض الشيء من كل شيء، ثقافة العلم، الأدب، الزراعة، التجارة، الإدارة، ما عدا طبعاً ثقافة الجهل فلا حاجة بك لتتعلم أي شيء منها!
أما أن تتعلم كل شيء عن شيء واحد فإنه التخصص، وهو مفيد، لكنه يجعلك إنساناً أحادي المسير في حياة متعددة الاتجاهات متقلبة المنعطفات والعواطف والفصول، ربيع وصيف وخريف وشتاء، فقر وغنى، حب وحزن، نجاح وفشل، ولا يكفي أن تكون مبدعاً في مجال تخصصك ما لم تكن مبدعاً في إنسانيتك.
يحكى أن هنري فورد، مؤسس شركة السيارات المعروفة، أراد أن يعين شخصاً في منصب ما في شركته فاختار اثنين من الجامعة نفسها والتخصص نفسه ودعاهما لتناول العشاء معه في أحد المطاعم، وبعد العشاء بينما خرج الجميع من المطعم قال فورد لأحدهما «لقد تمّ تعيينك في المنصب»، وقال للآخر أعتذر منك، لن تكون ضمن فريقنا.
استجمع الشاب المرفوض شجاعته، وقال له: سيد فورد، هل لي أن أسألك سؤالاً؟ فقال له تفضل، قال: «نحن لم نتحدث عن الهندسة، ولا السيارات، ولا الجامعة، تحدثنا في الأمور العامة فقط، فلِمَ تمّ توظيف صديقي ورفضي أنا؟».
فقال له فورد: «لسببين اثنين. الأول أن صديقك تذوّق شريحة اللحم ثم أضاف إليها ملحاً، وأنت أضفت الملح قبل أن تتذوقها، يعجبني الأشخاص الذين يُجربون الأشياء قبل محاولة تغييرها،
السبب الثاني، كان صديقك مؤدباً مع النادلين يقول: شكراً، وآسف، أما بالنسبة لك فكانوا غير مرئيين تماماً. كنت مؤدباً معي فقط! القائد الرائع الذي يريد أن يترك أثراً في عمله، عليه أن يتعامل مع الجميع على أنهم بشر».
لقد لخص فورد في هاتين النقطتين سر النجاح ليكون الإنسان مديراً ناجحاً وإنساناً في الوقت نفسه، كأن تقول إن فلاناً مهني ومحترم، فليس كل مهني مؤدباً وليس كل مؤدب مهنياً. واجتماع الصفتين في شخص واحد هو أحد أسرار النجاح المقرون بالسعادة.
أن ترضي رئيسك في العمل أمر جيد ومطلوب، لكن من دون أن تكون صدى مشروخاً لصوته. وأن تقول دائماً «حاضر سيدي»، قلها، لكن بعد أن تبدي رأيك إن رأيت في تكليفه لك خطأ ما، فالقرار أخيراً له حسب الهيكل الوظيفي.
قال لي صاحب مؤسسة ناجحة يوماً: «عندما أقابل متقدمين لشغل وظيفة عندي أحب الشاب المتقدم الذي يطرح الأسئلة عن المؤسسة ومتطلبات العمل والهدف المطلوب حتى أشعر أنني أنا من يتقدم للوظيفة وليس هو»، سألته: لماذا؟ قال: «أولاً إن مثل هذا الشاب لديه من الجرأة أن يواجه أي موقف بشجاعة»، ثانياً: «إنه كالطبيب الذي يشخص المرض بدقة قبل أن يصف العلاج.
فهو يريد أن يعرف بالتفصيل ما المطلوب منه أن يعمله وليقرر ما إذا كان يستطيع فعله»، ثالثاً «إنه يخاطر بعدم حصوله على الوظيفة لو كان صاحب العمل من النوع الذي يطرب لقول «حاضر» من دون أن يستوعب الموظف ما المطلوب منه بدقة، فلا هو ينجح ولا صاحب العمل يربح».
أغنى أغنياء رجال الأعمال في العالم لا بد وأن لكل منهم سراً في النجاح أمثال: جيف بيزوس منشئ موقع «أمازون»، بيل جيتس مؤسس «ميكروسوفت»، جاك ما مؤسس موقع «علي بابا»، مارك زوكربيرج مؤسس «فيسبوك»، وارن بافت رئيس مجلس إدارة شركة «بيركشير هاثاوي»، أمانسيو أورتيجا مؤسس شركة «أزياء إنديتيكس»، كارلوس سليم الذي يمتلك أكثر من 200 مشروع استثماري، إيلون ماسك مؤسس «تسلا موترز»، و«سبيس إكس» الذي اشترى أخيراً موقع «تويتر».
الحياة مليئة بالأسرار وهي نفسها سر تلك الأسرار، وهذا ما عبر عنه الشاعر إيليا أبو ماضي في قصيدته «الطلاسم» التي يقول فيها: «جئت لا أعلم من أين، لكني أتيت، ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت، وسأبقى ماشياً، إن شئت هذا أم أبيت، كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري!».