كلما وقع اعتداء بالولايات المتحدة سببه العنصرية، صارت القوى العقلية للجاني هي السؤال الأول الذي يطرحه الإعلام الأمريكي.

ورغم أن الكثيرين ينتقدون ذلك المسلك الإعلام كونه يبرر للجاني جرمه، فإن للمسلك ذاته بعداً أكثر عمقاً يكشف عن طبيعة العنصرية أصلاً ومعناها المركب. فرغم أنها آفة قديمة أصابت مجتمعات شتى، تظل العنصرية من أكثر الموضوعات التي يعتريها سوء الفهم والتبسيط.

والعنصرية في جوهرها مبنية على فكرة مؤداها أن الأعراق لا تتساوى. والأعراق هي التمايز بين البشر بناء على شكلهم الخارجي والصفات الجسدية، مثل لون البشرة وقسمات الوجه، كشكل الأنف والشفاه. والمسألة العرقية صناعة بشرية وبناء اجتماعي.

فتلك الصفات الجسدية، التي لا تعني شيئاً على الإطلاق، يتم إضفاء المعنى عليها بشكل مبني على الحتمية، أي اعتبار أن تلك الصفات الجسدية تحدد مستوى الذكاء وطبيعة السلوك البشري.

ومن هنا، فإن العنصرية ليست مجرد تمييز بين البشر على أساس تلك الصفات، وإنما هي النظرة الدونية، أي اعتبارهم عرقاً بعينه أدنى درجة بسبب تلك السمات الجسدية. والمسألة العرقية بناء اجتماعي، بمعنى أن المجتمع هو الذي يضفي المعنى على تلك الاختلافات.

فتلك الصفات الجسدية يختلف معناها من مجتمع لآخر بل ويتغير معناها داخل المجتمع الواحد من فترة زمنية لأخرى. فعلى سبيل المثال، فإن الفوقية والدونية في البرازيل لا تقوم على لون البشرة وإنما على درجة ذلك اللون. فكلما كان لون البشرة داكناً ازداد النظر بدونية لصاحبها والعكس صحيح.

وفي الولايات المتحدة، كان المهاجرون من جنوب أوروبا ينظر لهم بدونية تعتبرهم أقل درجة من البيض من شمال أوروبا، الذين مُنحوا كل مزايا الفوقية.

والحقيقة أن العلاقة وثيقة بين الاستعمار الغربي والعنصرية. فقد تم اختراع المسألة العرقية وحكاية الفوقية والدونية لتبرير العبودية تارة واستعمار شعوب جنوب العالم تارة أخرى. وعليه، برزت مقولات مثل «عبء الرجل الأبيض» الذي عليه أن يتحمل مسؤوليته لنقل الحضارة والتقدم لشعوب أطلقوا عليها، زوراً، «بدائية وهمجية».

وقد أعطيت مثل تلك الأفكار القبيحة مسحة دينية في حقب تاريخية بعينها فزعموا، زوراً، أن المسيحية تنص على خضوع غير البيض للعبودية. وفي حقب تاريخية تالية، قدموا أطروحات علمية زعموا فيها، زوراً، أن العلم نفسه يثبت أن تلك الاختلافات الجسدية لها دلالة تتعلق بمستوى الذكاء وأنماط السلوك البشري.

بل أكثر من ذلك، اخترعوا علماً أطلقوا عليه «علم تحسين السلالات البشرية» قسموا فيه البشر أقساماً واخترعوا فوقية بعضه وقالوا إن السلالات الأدنى لابد من التخلص منها والحفاظ على غيرها. ولم تتوقف الخرافات عند هذا الحد وإنما فعلت تلك القوى الاستعمارية الشيء ذاته بخصوص الاثنيات، أي ادعت أن ثقافات وحضارات عظيمة تتسم بالدونية بالمقارنة بالحضارة الغربية الأوروبية.

والحقيقة أن مثل تلك الأفكار القبيحة شكلوا على أساسها فروعاً كاملة من العلوم الإنسانية. فدراسة ثقافة من الثقافات كانت تتم بناء على مقارنتها بالثقافة الأوروبية. وبالتالي، فإن كل ما يختلف عن ذلك «الأصل» الأوروبي، يعد شاذاً ومتخلفاً.

ورغم أن أصول ذلك التوجه تلاشت مع سقوط الاستعمار التقليدي، إلا أن الآفة نفسها لم تختفِ، فهي صارت هيكلية ومؤسسية متجذرة في الكثير من تلك المجتمعات. والعنصرية الهيكلية أكثر خطورة بكثير من العنصرية الفردية. فالعنصرية الهيكلية معناها أن المؤسسات والهياكل الاجتماعية بقواعدها وأعرافها تعيد إنتاج العنصرية ذاتها وتغذي نفسها بنفسها، بغض النظر عن الأفراد القائمين عليها.

وبالعودة لحكاية الجرائم العنصرية ورد فعل الإعلام الأمريكي، فإن الأفراد العاملين في ذلك الإعلام الذين يسألون عن القوى العقلية للجاني ليسوا بالضرورة عنصريين على الإطلاق. على العكس، فإن الكثيرين منهم في مقدمة صفوف المدافعين عن حقوق غير البيض.

لكنها العنصرية الهيكلية لا عنصرية الأفراد. ومن هنا، رغم أن مرتكب جريمة عنصرية قد يكون خطراً من حيث قتله للأبرياء، إلا أن العنصرية الهيكلية أخطر بكثير لأنها تعيد إنتاج الأنماط والسلوكيات العنصرية ذاتها فيدور المجتمع في حلقة مفرغة.