جون ميرشايمر من أساطين العلاقات الدولية في الولايات المتحدة ومن المدرسة الواقعية الهجومية والتي ترى أن العالم غابة تتصارع فيها القوى للسيطرة. وأن الدول والتي هي الوحدة الأساسية للنظام العالمي تخشى الدول الأخرى لأنها غير متيقنة من نواياها تجاهها، ولأن النظام العالمي ـ بعكس النظام السياسي الداخلي ـ لا يتمتع بسلطة مركزية تستطيع أن تتحكم في التنافس الشرس بين وحدات النظام.
ولهذا السبب فإن النظام السائد هو نظام مساعدة الذات. بمعنى أن على كل دولة أن تسعى لزيادة قوتها، ولأن هذا التنافس دائم فإن الدول تقع في مأساة الصراع المستمر على القوة، وهنا يتجلى الفرق بين الواقعية الدفاعية والذي يمثلها زميل ميرشايمر ستفين والت، الأخير يرى أنه من الخطر على الدول زيادة قوتها وعليها أن تكتفي بقوة تستطيع الدفاع عن نفسها، أما إذا زادت على ذلك فإنها تعرض نفسها لتكالب القوى الأخرى عليها للحد من زيادة قدراتها كما حصل مع الإمبراطورية الألمانية وألمانيا النازية في الحربين العالميتين.
ولكن هل تلعب القيم والأخلاق في نظرة المدرسة الواقعية؟ نعم، ولكن ليس كما يفهمها الأفراد في المجتمع، فالأخلاق والقيم هي حماية أمن الدولة وشعبها وأراضيها، فحماية الدولة وبقاؤها هي القيمة الأسمى للسلوك الخارجي للدول. وإذا تضاربت أخلاق البقاء مع الأخلاق العامة فإن مصلحة البقاء هي الراجحة. هذا ليس وصفة سياسية، بل توصيف لواقع الدول على المسرح الدولي.
وبعد هذه الخلفية العلمية والسياسية للأستاذ المميز ميرشايمر، كيف يرى الصراع في وسط أوروبا بين الروس والأوكرانيين والدول الغربية المساندة لهم؟ يرى ميرشايمر أن الغرب بتوسعه شرقاً أدى إلى تخوف روسيا الاتحادية من التمدد لحلف «الناتو»، وقد أدى هذا التمدد شرقاً، إضافة إلى تحالف واشنطن مع دول حلف وارسو السابق والمعادي لروسيا إلى تعزيز مخاوف موسكو تجاه الغرب.
ويضيف ميرشايمر أنه منذ فترة بعيدة والغرب يحاول تطويق روسيا من كل الجهات، ففي العام 1999، قامت منظمة الناتو بقبول جمهورية التشيك، والمجر، وبولندا في الحلف، وفي 2004 أدخلت كلاً من بلغاريا، وإستونيا، ولاتفيا، وليتونيا، ورومانيا، وسلوفاكيا، وسلوفينيا إلى الحلف. ولكن الروس لم يكونوا بالقوة الكافية لمنع هذا التمدد. إلا أن إعلان حلف الناتو في 2008 في قمة بوخارست بإمكانية قبول جورجيا وأوكرانيا كعضوين جديدين استفز موسكو. وقد عارضتا فرنسا وألمانيا مساعي إدارة بوش الابن لدمج هاتين الدولتين في الحلف.
وقد أعلن بوتين حينها أن قبول هاتين الدولتين سيكون بمثابة تهديد مباشر لروسيا، بعد أن أعلن الحلف أن جورجيا وأوكرانيا سيلتحقون بالحلف.
وقد أدت هذه التحركات إلى الحرب بين روسيا وجورجيا في صيف 2008، بعد أن حاولت تبليسي استعادة مقاطعتين والتي يقطنها سكان من أصول روسية، وأدت الحرب إلى انشقاق هاتين المقاطعتين، أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وإعلان انشقاقهما واستقلالهما من جورجيا. ولم يعترف باستقلال هاتين الجمهوريتين إلا روسيا وقليل من الدول.
ورغم ما حصل في جورجيا، إلا أن واشنطن سعت إلى نشر قيمها الليبرالية عبر دعم تنظيمات وأفراد موالين للغرب. وتقول فيكتوريا نولاند، مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأوروبية، إن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من خمسة مليارات دولار لتحقيق أوكرانيا أهدافها المنشودة. وحصل ما حصل في 2014 من حرب روسيا على أوكرانيا والذي أدى إلى استقطاع جزيرة القرم من أوكرانيا.
ولهذه الأسباب جميعاً، يرى الأستاذ ميرشايمر إلى أن الغرب مسؤول مباشر عن الحرب في أوكرانيا بسبب ما أسماه بتوسع «الناتو» شرقاً، وتوسع الاتحاد الأوروبي لضم دول شرق أوروبا، والترويج للنظام الليبرالي الغربي في الدول المحيطة بروسيا.