ربما لا يكون الموضوع جديداً، وربما يكون الحديث عنه معاداً، وربما تكون الأمور قد خرجت عن السيطرة، لكنّ هذا كله لا يمنع أن نعود إلى الحديث عنه من آنٍ إلى آخر، ليس من باب التذكير، ففكرة «الذكرى التي تنفع المؤمنين» غير واردة هنا، لأنك لن تلقى آذاناً صاغية، ولن تقابل عقولاً واعية، ولن تجد بين من تتحدث عنهم مؤمنين بما تؤمن به أنت، فمن هو متفق معك متفق معك من الأساس، ومن هو مختلف معك لا أمل بإقناعه.
ستقولون: إذا كان هذا هو الحال، فما الداعي إذاً إلى تكرار المقال؟
سنقول: إنها مجرد فضفضة، وسنطلب أن تتفقوا معنا على أن الفضفضة نوع من أنواع العلاج، وحتى لو كان هذا العلاج بالمسكنات فقط.
أتابع منذ فترة، بتركيز أكبر من أي وقت آخر، ما يُعرض من فيديوهات وما يدور من حوارات في بعض منصات التواصل، ومنصة «تيك توك» بشكل خاص، وأحاول أن أرصد المحتوى الذي تدور حوله هذه المقاطع والحوارات الحية، وأركز هنا على حوارات العرب في هذه المنصات.
بعد فترة من المتابعة وجدت أغلبها لا يخرج عن موضوعات محددة، هي في الغالب الدين والجنس والسياسة.
رُبّ قائل يقول: وما الجديد في هذا؟ الدين والجنس والسياسة ليست موضوعات طارئة على تفكير البشر منذ بدء الخليقة.
أقول: نعم، لا جديد في هذا، ولكن المثير هو الجرأة غير المسبوقة التي تتم مناقشة هذه الموضوعات بها بين المشاركين في هذه الحوارات، والتطاول الصريح على الذات الإلهية والأنبياء والرسل، واللافت أن غالبية الذين يديرون هذه الحوارات ويشاركون فيها بحماس كبير هم من المقيمين خارج الوطن العربي، وعلى وجه الخصوص في بعض الدول الأوروبية وأمريكا وكندا، وأغلبهم، إن لم يكونوا كلهم تقريباً، مهاجرون من أوطانهم لدواعٍ بعضها سياسي أمني، نتيجة الحروب والصراعات التي تدور في بلدانهم، وبعضها أخلاقي، سببه الخروج على القيم التي تحكم المجتمعات العربية، والقوانين المستمدة من الشرائع والأخلاق والعادات والتقاليد التي تنبذ الظواهر الدخيلة والتصرفات الشاذة، بل تجرّمها وتمنع انتشارها بين فئات المجتمع، وبين الأطفال والناشئة والشباب على وجه الخصوص.
في المقاطع التي تنتشر في هذه الوسائط، وفي البث الحي الذي يفتحه أصحاب الحسابات، وهي كثيرة، نرى فتيات ونساء يتحدثن ويحاورن متابعيهن وهن يقمن بإعداد الوجبات اليومية في مطابخ بيوتهن، ونرى فتيات ونساء يُدِرن حوارات حية وهن يقمن بوضع الماكياج على وجوههن ويصففن شعورهن قبل الخروج متوجهات إلى مقار أعمالهن أو إلى الأسواق والحفلات والمناسبات التي سيحضرنها، ونرى فتيات ونساء يبدأن بثهن فور أن يصحون من نومهن في أي ساعة من ساعات الليل والنهار، يظهرن في أسرّة نومهن مرتديات البيجامات وملابس النوم، ونرى ملحدين يجهرون بإلحادهم، ساخرين من الأديان، منكرين الذات الإلهية، مسفّهين الأنبياء والرسل والكتب السماوية المنزلة، ونرى مجاهرين من الجنسين بشذوذهم الجنسي، يفخرون بالشذوذ ويدافعون عنه، ويقومون بالترويج له بدعوى أنه حرية شخصية، مستهدفين الأطفال على وجه الخصوص برسائل وأغنيات موجهة لهم بشكل صريح ومباشر، وبعد هذا يطلب البعض منا أن نصدّق أن هذا كله يحدث بشكل عفوي وبريء، من دون تحريض أو تشجيع من أحد!
لنستمع إلى هذا المقطع الذي نشره أحد المعارضين الأجانب للشذوذ الجنسي بعنوان «النسخة المترجمة من أغنية الشواذ الأمريكيين التي تقولها صراحةً: نحن نستهدف أطفالكم.. بهدوء ومن دون أن تنتبهوا».
يبدأ المقطع بتعليق صاحب الفيديو، الذي يقول: «هذا فيديو وضعوه على اليوتيوب، والعنوان (رسالة من مجتمع المثليين). على أي حال لنستمع لهذه الرسالة». ثم يضع مقطعاً من أغنية تقول:
«تعتقدون أننا آثمون..
تقاتلون ضد حقوقنا..
تقولون إننا نعيش حياة غير محترمة..
لكنكم تخشون.. وتعتقدون أننا سنفسد أطفالكم في حال مرت أجندتنا من دون تدخل..
حسناً، أنتم على حق هذه المرة..
سنغيّر/ سنحوّل أطفالكم..
فهو يحدث شيئاً فشيئاً بهدوء ومن دون توقّع.. وبالكاد ستنتبهون..
ثم يواصل مقدم المقطع قائلاً: الأغنية تستمر. لن نعرضها كلها، ولكنّ هناك مقطعاً مرعباً أكثر مما شاهدنا.. فلنتابع:
«نحن قادمون من أجلهم..
نحن نستهدف أطفالكم»
ويكمل قائلاً: لا شيء غريباً في الأمر سوى أن رجلاً بالغاً يقول إنه يستهدف أطفالكم. أيّ برهان آخر تحتاجون؟ ها قد وضعوها في أغنية، ويُنشِدون أنهم يستهدفون أطفالكم.
انتهى مقطع الفيديو، ولكنّ ما يحدث في وسائط التواصل «غير الاجتماعي» مستمر، فهل يمكن أن نضع له عنواناً؟
ليس ثمَّةَ عنوان أفضل من «إنهم يستهدفون أطفالكم».