مازلت أذكر يومي الأول في رياض الأطفال في ثمانينيات القرن المنصرم وأنا ابنة الأربع سنوات بوضوح.

مازلت أذكر يدي أمي التي كانت تقودني عبر ممرات المدرسة لإيصالي لصفي الدراسي. لم أنسَ دهشتي في يومي الأول، ضفائري على جانبي رأسي، ربطات شعري البيضاء، وجواربي المزركشة التي تغطي قدماي الصغيرتين، حذائي الأسود اللامع كالمرآة، وزيي الوردي وكأنني أميرة خرجت للتو من سلسلة أفلام الكرتون.

مازلت أذكر انفطار قلبي عندما تركتني والدتي في ذلك المكان الجديد الذي يسمى «بالمدرسة».

لم يهدأ روعي إلا بعد رؤيتي لخزانة الألعاب الموجودة في آخر الفصل. جلست على الجانب الأيمن من الفصل أتفحص كل ما حولي. كل شيء كان يبدو عملاقاً، السبورة السوداء الكبيرة والطباشير الملونة المتناثرة على حافتها، النوافذ الكبيرة جداً على الجانب الأيسر من الفصل والمطلة على ساحة المدرسة. عالم جديد ومختلف تماماً غير الذي أتيت منه شعرت فيه بالغربة.

الغريب في الأمر أنه بعد مرور عقدين من الزمان، وعندما وطأت قدماي بلاد العم سام، وفي يومي الدراسي الأول في الجامعة للبدء في برنامج الدراسات العليا، لم يكن شعور البدايات مختلفاً عن يومي الأول في رياض الأطفال.

كنت أرتدي ألوان الخريف الأمريكي هذه المرة، لم تبدو الأشياء عملاقة في فصلي الدراسي، بدت لي السبورة البيضاء ذات حجم معقول وأقلام الفلوماستر مرتبة على حافتها، بالرغم من أن النوافذ كانت تطل على حديقة، لم يكن ذلك مهماً بالنسبة لي، لأن شعور الغربة في تلك اللحظة كان قد هزم كل شيء. جلست على يسار الفصل، وأدركت أنني أنا من اخترت قرار البداية في هذه المرحلة.

ماذا لو أدركنا أن بعض البدايات تتكرر ولكن بأشكال وأوقات مختلفة؟ ماذا لو أمهلنا البدايات بعض الوقت لتسهل وتهون من أجل جني الثمار؟ ماذا لو أدركنا بأننا سنعيش أبد الدهر بين الحفر إذا لم نبدأ بدايات جديدة وإذا تهيبنا صعود الجبال؟