مما لاشك فيه أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد قطعت شوطاً طويلاً في تطبيق مفاهيم الاستدامة المختلفة في شتى نواحي الحياة، وما نحاول أن نبرزه في هذه الحلقات هو الأثر العالمي الذي تركته الإمارات على تطبيقات الاستدامة، والتي أصبحت أنموذجاً يحتذى به، وتتلقى جهود الإمارات في مجال الاستدامة التقدير والإشادة من معظم دول العالم.

بداية يجب أن نعرّف الاستدامة كما وصفتها الأمم المتحدة في العام 1987م، حيث عرفت ما تسمى بلجنة بريندتلاند التابعة للأمم المتحدة، الاستدامة على أنها «تعني تلبية حاجات الحاضر دون المساس بقدرات الأجيال المستقبلية على تلبية حاجاتها الخاصة».

من هنا نجد أنه وبالمفهوم الإماراتي المتفرد والمتميز، نجد أن هذا التعريف يعتبر قاصراً وغير كافٍ وفقاً للمعايير الإماراتية.

ومن هنا كانت النظرة المؤسسية لمفهوم الاستدامة داخل دولة الإمارات، وأنه مفهوم عام للجميع، وبما أن الناس يتشاركون الأرض والمرافق والهواء والماء، فإن الاستدامة مسؤولية الجميع دون استثناء، وليست فقط مسؤولية الجهات الحكومية المختلفة.

ومنذ بدايات نشأة الإمارات ككيان ودولة، كان للمؤسسين الأفاضل تلك النظرة الثاقبة نحو المستقبل، تناقلت الأجيال تلك النظرة وتعززت مفاهيم الاستدامة في شتى مجالات الحياة، وتطورت تطبيقاتها مع التطور الكبير في التكنولوجيا وفي التطور التقني والفني والصناعي بشكل لم يسبق له مثيل، وانطلاقاً من ذلك أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، أن هذا العام هو عام الاستدامة.

إذاً؛ تعريف الاستدامة بالمفهوم الإماراتي يمكن تلخيصه بمقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، بأن «الإمارات لا تقبل أبداً بالمركز الثاني»، وهو يلخص بجلاء أن الإمارات بقيادة شيوخها الأكارم ينظرون لبواطن الأمور وينتهجون الأساليب العلمية في تسيير شؤون الحياة بما يعود بالنفع على الجميع أرضاً وإنساناً. فليس من السهل أن تظل محافظاً على المركز الأول على مستوى العالم، إذا لم تكن الاستدامة نهجا وتطبيقا.

وعندما نتمعن في كيفية تبوّؤ الإمارات للمراكز الأولى في مؤشرات التنمية العالمية على مستوى العالم، نجد أنها حافظت على تلك المراكز لأنها لم تكن بالأساس تهدف للوصول إليها، بل كانت تهدف لتثبيت موقعها في تلك المراكز.

على سبيل المثال استطاعت الإمارات أن تصبح المركز المالي العالمي، وأن تصبح المقصد السياحي العالمي، وأن تصبح من أفضل الدول أمنا وأمانا ورُقيا. وكل ذلك لم يأت من فراغ، بل بجهود وسهر وتعب ومتابعة يومية من كل المسؤولين في الدولة.

ومع هذا، الإمارات ما زال لديها الكثير لتقدمه في هذا المجال، وما زالت تسعى نحو الأفضل ونحو التميز، ومن هذا نجد تركيز حكومتنا الرشيدة، على إعادة التذكير بمفاهيم الاستدامة.

وكما تعودنا من شيوخنا الأجلاء وحكومتنا الرشيدة، فإنه عندما تعلن الحكومة عن أهدافها لمدة عام كامل (في تفرد إماراتي خالص ونموذج للحكم الرشيد ليس له نظير على مستوى العالم)، فهي تدعو الجميع للمشاركة في ترسيخ مفاهيم تلك الأهداف ليعود خيرها على الجميع، ليس فقط من خلال المشاركة في الفعاليات، ولكن للإسهام في اتخاذ القرارات وعمليات التقييم وعمليات التخطيط وسنّ وتغيير القوانين التي من شانها أن تسهم في الاستدامة العامة.