«عندما يقرأ الكفيف 130 كتاباً.. على المبصرين أن يراجعوا أنفسهم فيما يقرأون». بهذه العبارة ختم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، التغريدة التي بارك فيها للطالب غريب اليماحي، الحاصل على المركز الأول في تحدي القراءة في دولة الإمارات في فئة أصحاب الهمم.

وكان سموه قد وصف الطالب الذي تفوق على أقرانه في بداية التغريدة قائلاً: «غريب كفيف البصر.. ولكنه ليس غريباً في طريق الإنجاز.. وليس كفيفاً في الوصول للمعالي.. قرأ غريب 130 كتاباً خلال العام الدراسي بطريقة بريل.. وهو كاتب للمقالات.. ومتحدث.. ومتفوق.. وملهم لنا جميعاً».

هل كان من باب الصدفة أن تكون الطالبة آمنة المنصوري، التي فازت بالمركز الأول في «تحدي القراءة العربي» على مستوى الدولة، قد فقدت قبل عامين قدرتها على المشي ثم استعادتها؟ هذا ما حدث لآمنة فعلاً «لكنها لم تقف عاجزة.. بل أبحرت وحلقت في بحور الأدب والمعرفة.. وكان تحديها دافعاً لتغيير حياتها.. اليوم آمنة استعادت قدرتها على المشي.. وفازت في تحدي القراءة.. وكتبت قصتين.. وستمثل الدولة بعد أيام قليلة في أولمبياد الفيزياء العالمي في طوكيو.

تحدي آمنة كان فرصة لها لإعادة بناء نفسها والانطلاق نحو الحياة.. وهكذا نريد أبناء وبنات الإمارات». بهذه الكلمات وصف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، رعاه الله، آمنة المنصوري، مهنئاً إياها بهذا الفوز المشرّف.

هذان النموذجان المشرفان من أبناء وبنات الإمارات يدحضان الاتهامات التي يوجهها البعض لهذا الجيل، واصفاً إياه بأنه جيل منشغل بالتفاهات، لا يقرأ ولا يعبأ بالكتب والعلوم والمعارف.

وعندما تعمد قيادة دولة الإمارات إلى توجيه الأنظار إلى هذه النماذج فهي لا تدحض هذه الاتهامات فقط، وإنما تزيل الغشاوة عن عيون أولئك الذين لا يلفت انتباههم سوى النماذج التافهة التي نرى الكثير منها في وسائط الاتصال الاجتماعي، تملأ الفضاء الإلكتروني صراخاً، وتشيع فيه التفاهة بمختلف أشكالها، فإلى جانب هذه الصورة التي لا تشرف أحداً، هناك صور جميلة، هذه واحدة منها، وغيرها كثير، منها صور أولئك الذين يحققون اختراعات علمية ويفوزون بجوائز في المحافل الدولية، وأولئك الذين يحققون إنجازات رياضية مثل تسلق الجبال والوصول إلى أعلى قممها في مختلف القارات، وأولئك الذين يتسابقون إلى أداء أعمال إنسانية ويتطوعون لتخفيف آلام ضحايا المجاعات والحروب والكوارث بمختلف أشكالها.

كل هذه الصور الجميلة والمشرفة لا تجد أحياناً حقها من الأضواء لمجرد أنها لا تلقى اهتمام رواد وسائط التواصل الاجتماعي الباحثين عن التسلية، أو لأن هذه الوسائط تفسح المجال لناشري التفاهة وجولات السباق والنقاشات التي تشيع الفرقة بين الأمم والشعوب وأتباع الديانات المختلفة، وتمنحهم الأموال والمكافآت والهدايا، بينما لا يجد الجادون لهم مكاناً فيها، وإن وجدوه فهو مكان لا يليق بما يقدمونه من فكر وعلم ومعرفة وإنجازات.

«تحدي القراءة العربي» ليس مجرد مسابقة يتنافس خلالها الطلاب والطالبات في العالم العربي للفوز بتمثيل بلدانهم فيها ونيل جوائزها، ولكنه مشروع حضاري يعيد للقراءة وهجها بين الطلبة العرب، الذين هم مستقبل الأمة، ويعيد للكتاب وهجه وسط هذا السيل الجارف من الألعاب، ووسائل اللهو المتاحة في كل مكان للأطفال والناشئة والشباب، ويجعل من القراءة وسيلة، ليس للمعرفة فقط، وإنما لقضاء الأوقات في ما يفيد وينفع، فقد كان الكتاب دائماً هو الرفيق والأنيس لجيل ما قبل الإنترنت والتكنولوجيا المتقدمة ووسائط الاتصال ومنصات التواصل المختلفة. وهو اليوم وسيلة تستخدم هذه الوسائط وتستغلها فيما ينفع، بدلاً من إضاعة الوقت فيما يضر.

لقد أظهر طلاب وطالبات الإمارات المشاركون في الدورة السابعة من «تحدي القراءة العربي» شغفاً بالقراءة، وتميزاً في مستويات التحصيل المعرفي، وقدرة فائقة على الاستيعاب والتعبير بلغة عربية سليمة ورفيعة المستوى.

كل هذا، بالإضافة إلى مشاركة 514 ألف طالب وطالبة من مدارس الدولة في هذه الدورة من تحدي القراءة العربي، إنما يشير إلى أننا أمام جيل محب للقراءة والمعرفة، متطلع إلى مستقبل مشرق، بفضل ما تقدمه له قيادة وطنه من تشجيع ودعم ومساندة، وبفضل روحه الإيجابية ومثابرته.

لا عذر بعد اليوم للذين يهدرون أوقاتهم فيما لا يعود عليهم بالنفع والفائدة، فقد قالها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، رعاه الله، صريحة وواضحة: «على المبصرين أن يراجعوا أنفسهم».

على المبصرين أن يكونوا ذوي بصيرة أيضاً، فالبصر وحده لا يعود كافياً إذا غابت البصيرة.