كان من أسباب ازدهار العرب في أيام الخلافة الأموية والعباسية، هو أن الكثير من الأمراء والأعيان قاموا بترجمة الكتب العلمية إلى اللغة العربية، فترجمة الكتب العلمية من اللغات المختلفة إلى العربية جعلت الناطقين باللغة العربية على اتصال مباشر بالعلوم المختلفة، وأصبح من السهل على أي فرد من أفراد المجتمع العربي أن يشبع فضوله العلمي، ويبحث في أي مسألة من المسائل العلمية دون أي عناء يذكر، كما ساعدت وفرة الكتب واهتمام الأمراء والأعيان بالعلماء على تشجيع الشباب على الاستثمار في المشاريع العلمية، فالبضاعة الفكرية كانت لها قيمتها في ذلك المجتمع.
وكما أن المناطق التي توجد فيها الأنهار تشجع سكانها على الزراعة، والمناطق التي تطل على البحار تدعو سكانها إلى صيد الأسماك، كذلك وفرة الكتب العلمية واهتمام المسؤولين بالعلم وأصحاب البضائع الفكرية، يدعو أفراد المجتمع إلى الاهتمام بالعلم والثقافة، ويحثهم على البحث العلمي، ونحن اليوم لسنا بحاجة إلى ترجمة الكتب العلمية، فالمكتبة العربية مليئة بها بفضل الله تعالى ثم اهتمام قادتنا، ولكننا بحاجة إلى أن نملأ المكتبة المرئية والمسموعة بالبرامج والمقاطع الهادفة، التي تتحدث بلغتنا، وتحمل هويتنا، وتليق بما وصل إليه مجتمعنا من ثقافة وعلم، فنحن اليوم في عصر التواصل الاجتماعي بحاجة إلى أن نمد أبناءنا بما يفيدهم من برامج و«بودكاستات» ومقاطع مرئية ومسموعة في كل برنامج من برامج التواصل الاجتماعي، ونوفر لأبنائنا البضائع الفكرية والترفيهية التي تتماشى مع ديننا وعاداتنا وتقاليدنا التي تربينا عليها، وبدلًا من انتقاد بعض المحتويات غير الهادفة في وسائل التواصل الاجتماعي، علينا أن نملأ هذه البرامج بالمحتويات الهادفة، والحقيقة التي يجب أن نعترف بها، هي أننا لا نستطيع أن نمنع أبناءنا وأنفسنا من استخدام هذه البرامج، ولذلك يجب علينا أن نبتكر طريقة نستخدم فيها هذه البرامج لخدمة مجتمعنا.
يقول الفيلسوف الصيني صن تزو في حديثه عن التعامل مع المستجدات «إن الحكماء يبحرون مع الرياح وليس ضدها، و يدورون حول المستنقعات ولا يخوضون فيها، ويتجنبون المواجهة حتى يتيقنوا من قدرتهم على تحقيق النصر». فمن الحكمة أن نشجع أصحاب المحتوى الهادف في وسائل التواصل الاجتماعي على الاستمرار، وأن ندعمهم ماديًا ومعنويًا، فاهتمامنا بأصحاب البضائع الفكرية والمحتوى الهادف، سيشجع الآخرين على الاستثمار في سوق العلم والمعرفة، وسيوفر لمجتمعنا خيارات مفيدة أكثر في برامج وسائل التواصل الاجتماعي.