يحدث كثيراً أن نعود إلى صورنا القديمة، التي باللونين الأبيض والأسود غالباً، تلك التي تجمعنا مع عدد من الأصدقاء رفاق الطفولة وزملاء الدراسة، بأشكالنا الأولى، التي لا نكاد نعرف منها أنفسنا، وملابسنا التي لم تعد مقاساتها اليوم تناسبنا.
يحدث هذا، فيجعلنا نعود إلى الوراء، نبحث عن الأماكن التي غادرناها إلى غير رجعة، ننقب في تفاصيل الصورة، نفكر؛ كيف كنا وكيف صرنا، ولكن هل خطر ببال أحدنا أن يتتبع أحوال أصحاب الوجوه التي تظهر في تلك الصور ليعرف مآلاتهم اليوم؟
عندما وقف الأستاذ جون كيتينغ في فيلم «مجتمع الشعراء الموتى» مع تلاميذه أمام صور الطلبة الذين سبقوهم إلى الدراسة في أكاديمية ويلتون، وكانت باللونين الأبيض والأسود، داعياً إياهم إلى تأمل وجوه أصحابها الذين غدوا سماداً للنرجس، كان يريد أن يوصل إليهم رسالة مفادها أنهم سيغدون أيضاً سماداً للنرجس يوماً ما، لذلك عليهم أن يعيشوا حياتهم ويستمتعوا بها.
لم يتتبع أحد مسار حياة كيتينغ وطلبته، لكن الصحافية الأمريكية «ألي روسيان» قامت بتتبع مسار حياة روبن ويليامز، الممثل الذي قام بدور كيتينغ، وحياة الممثلين الذين قاموا بأدوار طلبته في الفيلم، وقدمت تقريراً عما جرى لهم خلال 30 عاماً، هي المدة التي انقضت منذ عرض الفيلم عام 1989 وحتى عام 2019 الذي نشرت التقرير فيه مجلة «People».
يقول التقرير إن فيلم (Dead Poets Society) اشتهر بمقولة بطله روبن ويليامز وهو يحث طلاب صفه الصغار على عيش الحياة على أكمل وجه: «اغتنموا الفرصة، اغتنموا اليوم أيها الأولاد، اجعلوا حياتكم غير عادية». وبعد مرور 30 عاماً، ما تزال هذه العبارة تتردد بين الجماهير.
قدم ويليامز واحداً من أكثر أدواره شهرة في حياته المهنية؛ جون كيتينغ، أستاذ اللغة الإنجليزية غريب الأطوار في مدرسة للبنين، الذي يطور علاقة عميقة مع طلابه. وعلى الرغم من أنه كان معروفاً بالكوميديا، إلا أن هذا التحول الدرامي مهد الطريق لأدوار أخرى، فأصبح واحداً من أكثر الرموز المحبوبة في العالم، حتى وفاته عام 2014 عن عمر ناهز 63 عاماً، وتدفقت التحية له من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك العديد من الأشخاص الذين يقفون على مكاتبهم ويرددون العبارة الشهيرة «أوه، كابتن! يا كابتن!» المقتبسة من الفيلم.
كان روبرت شون ليونارد يبلغ من العمر 20 عاماً فقط عندما لعب دور نيل بيري، الذي ناضل ضد رغبة والده في تحديد مستقبله، وأقدم على الانتحار عندما منعه من ممارسة هواية التمثيل المحببة إليه. منذ ذلك الحين، شق ليونارد طريقاً ناجحاً في هوليوود بمشاريع متعددة. يبلغ ليونارد الآن 50 عاماً.
إيثان هوك، الذي قام بدور تود أندرسون، والذي كان يبلغ 18 عاماً عندما عُرض الفيلم أول مرة، أصبح واحداً من أكثر الممثلين احتراماً واجتهاداً في هوليوود، مع مسيرة مهنية مليئة بالأفلام المشهورة. حصل هوك، البالغ من العمر 48 عاماً الآن، على 4 ترشيحات لجوائز الأوسكار خلال 30 عاماً منذ العرض الأول للـفيلم.
كان جوش تشارلز يبلغ 17 عاماً عندما قام بدور نوكس أوفرستريت. تمكن الممثل، البالغ من العمر 47 عاماً الآن، من صنع اسم لنفسه في كل من الكوميديا والدراما.
كان غيل هانسن يبلغ 29 عاماً عندما لعب دور تشارلي دالتون، الذي تسبب في مشكلة للمجموعة عندما نشر مقالاً باسمهم في صحيفة المدرسة، كما تم طرده لأنه لكَمَ ريتشارد كاميرون في وجهه بعد أن ألقى زميله باللوم في انتحار نيل على أستاذهم. لقد كان واحداً من أكبر الأولاد سناً في طاقم التمثيل. واصل هانسن العمل في التسعينيات، وابتعد لاحقاً عن التمثيل، ويعمل الآن مديراً تنفيذياً للأفلام.
بعد قيامه بدور ريتشارد كاميرون، الطالب الذي أصيب بالذعر وألقى باللوم على الأستاذ كيتينغ في انتحار نيل، واصل ديلان كوسمان العمل بانتظام في كل من السينما والتلفزيون، وظهر عام 2018 في فيلم كلينت إيستوود (The Mule).
بعد أن لعب دور جيرارد بيتس في الفيلم، واصل جيمس واترسون دور البطولة في فيلم آخر عام 1989 قبل أن يأخذ استراحة من هوليوود، وظهر آخر مرة في حلقات من البرامج التلفزيونية البارزة.
لعب أليلون روجيرو دور ستيفن ميكس، أحد مجموعة الشعراء الموتى الذين علمهم جون كيتينغ. بعد أخذ استراحة لمدة 10 سنوات في عام 2004، ظهر روجيرو في العديد من البرامج التلفزيونية.
كانت هذه مآلات روبن ويليامز والممثلين الذين قاموا بأدوار الطلبة في «مجتمع الشعراء الموتى» بعد 30 عاماً من عرض الفيلم. تُرى، كيف تبدو مآلاتنا، نحن والرفاق، بعد كل هذه السنوات من الأبيض والأسود؟
* كاتب وإعلامي إماراتي