صادف يوم أمس الاثنين مرور 22 عاماً على أحداث يوم الثلاثاء 11 سبتمبر 2001، لقد كانت أحداثاً مهولة ومرعبة للذين عاشوها أو تابعوها عبر شاشات التلفزيون، خاصة وهم يرون الطائرات تخترق برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك قبل أن تشتعل النار فيهما وينهارا مثل برجين من ورق، ليصبحا أثراً بعد عين خلال ساعات معدودة.
أذكر أنني زرت البرجين في منتصف الثمانينيات، وكانا وقتها يمثلان معجزة من معجزات العصر الحديث، يتحديان عجائب الدنيا السبع التي كنا نتسابق في تذكرها كلما سمعنا شريف العلمي، عليه رحمة الله، يسأل متسابقاً من المتسابقين عن واحد منها في برنامجه التلفزيوني الشهير «سين جيم» الذي ظل متسيداً ساحة برامج المسابقات التلفزيونية حتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي، ثم زرت عام 2011 منطقة «غراوند زيرو» الفارغة من البرجين بعد إزالة أنقاضهما، ووقفت متسائلاً: كيف يمكن أن يحدث هذا في زمن يقول فيه البعض إن زمن المعجزات قد ولى؟ وتعجبت، وأنا أقف أمام الحفرة الكبيرة التي حلت محلهما، من الطريقة والسرعة التي انهارا بها، ودارت يومها أسئلة كثيرة في رأسي، وجدت لبعضها أجوبة، وما زال بعضها بدون جواب حتى اليوم، رغم كل المعلومات التي تدفقت أثناء تلك الأحداث وبعدها، ورغم تعدد الروايات والنظريات التي راوحت بين الحقيقة والمؤامرة، التي روج بعض أنصارها لاستخدام تقنية الهولوغرام التي لم يكن العالم قد بدأ استخدامها ذلك الوقت بشكل واسع، رغم أن تاريخ اختراعها يعود إلى عام 1947 على يد العالم دينيس غابور لتحسين قوة تكبير الميكروسكوب الإلكتروني، والذي بسببه تمكن لويد كروز عام 1972 من صنع أول هولوغرام يجمع بين الصور المجسمة ثلاثية الأبعاد والسينما ذات البعدين.
تمر الأيام، وتحدث هذه القفزة الهائلة في مجال التقنيات، وعلى رأسها تقنية التصوير وتركيب الصور، لنصل إلى هذه الأيام التي تنتشر فيها بشكل واسع مقاطع هولوغرام تظهر أشياء لا يستطيع أن يتصورها العقل في عالم الحقيقة، إلى الدرجة التي أصبح من الصعب معها التفريق بين الحقيقة والخيال، وذلك بفضل الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة التي أتاحها للبشر، حتى أصبح بإمكان طفل في العاشرة من عمره أن يخدع الكبار بواسطة هاتف ذكي وبرنامج «فوتوشوب» أو «هولوغرام» يمكن تنزيله بسهولة فائقة، حيث لم يعد هناك ما هو أكثر توفراً من الهواتف الذكية وبرامج «الفوتوشوب» «الهولوغرام» وتقنيات الذكاء الاصطناعي، هذا ونحن نقول إننا بالكاد نضع أقدامنا على عتبة عصر الذكاء الاصطناعي ولم نلج عالمه العميق بعد، فما الذي يمكن أن يحدث عندما نتوغل أكثر في هذا العالم، وكيف نتصرف عندما يتغول البعض علينا فيقوم باستخدام صورنا وأصواتنا ويركب مقاطع غير حقيقية تضعنا في مواقف محرجة أمام أبنائنا وأسرنا وأهلنا وأصدقائنا، بل وأعدائنا أحياناً؟
هذا هو السؤال الذي نحتاج إلى إجابة له، وهو سؤال يقود إلى أسئلة كثيرة عن أساليب الاحتيال الحديثة التي تنهال علينا كل يوم، وعن المحتالين الجدد الذين يحاولون التسلل إلى حواسيبنا وهواتفنا الذكية حيث نحفظ بطاقات هوياتنا وصور جوازات سفرنا وبطاقات إئتماننا، وحيث التطبيقات الذكية التي ندخل من خلالها إلى حساباتنا المصرفية، نحول الأموال وندفع الفواتير ونجري عمليات البيع والشراء، كل هذا ونحن مطمئنون إلى أن من اخترع هذه الوسائل قادر على تأمين استخدامها، لكن هذا الاطمئنان يذهب أدراج الرياح عندما نتعرض لعملية نصب إلكتروني، كأنْ نضغط على رابط وصلنا من خلال رسالة بريد إلكتروني تحتوي على شعار جهاز أمني نثق به، أو دائرة لا نستغني عن خدماتها، أو من خلال رسالة نصية هاتفية لا يخطر على بالنا أن الضغط على رابط فيها سيسحب من حساباتنا في المصارف التي نتعامل معها كل أرصدتنا، بسبب غفلة بعضنا أو جهلهم وعدم أخذهم للتحذيرات التي تصدرها الجهات المختصة على محمل الجد.
هذا الاحتيال الإلكتروني أصبح يقلقنا ويحول حياتنا إلى كابوس نعاني منه ونحن نجري تعاملاتنا اليومية، ولا نضمن أن نقع في الفخاخ التي ينصبها لنا المحتالون الإلكترونيون ويحاصروننا بها عبر مختلف الطرق والوسائل.
قبل أيام انتشر مقطع تظهر فيه طيور وحيوانات ضخمة ومركبات ومجسمات تسبح في الفضاء، والناس يشيرون إليها وسط صراخ النساء والأطفال، ثم تبين أن المقطع يعود لصانع محتوى أكد أنه هو من صنع هذا الفيديو عبر إضافة أشكال متحركة إلى مشاهد حقيقية.
في تعليق لأحد الأصدقاء قال إن بعض هذه المقاطع شبيه بيوم القيامة، قلت معلقاً: أخشى أن يأتي يوم القيامة ونحن حائرون بين الحقيقة و«الهولوغرام»، ألم يطلق البعض على الحادي عشر من سبتمبر يوم القيامة؟