يبدو أن هذا العام ليس هو الأفضل للعمل في مجال تأمين الأقمار الاصطناعية والصواريخ، ففي الأشهر الأخيرة أعلنت شركة «فياسات» التي تتخذ من كاليفورنيا مقراً لها عن أعطال في اثنين من أكثر أقمارها الاصطناعية المرتقب إطلاقها، وهما: فياسات-3 والذي كان مخصصاً لخدمة منطقة الأمريكتين، وإنمارسات-6 ف2 وهو جزء من أسطول يوصف بأنه «أكثر أقمار الاتصالات التجارية تقدماً من الناحية التكنولوجية على الإطلاق».
كما أعلن في الأسبوع الماضي عن أول إخفاق في سجل شركة «روكيت لاب» بعد عامين من الإطلاق المثالي لصواريخها، وذلك بفشل الصاروخ «إلكترون» وفقدان القمر الاصطناعي الذي كان يحمله.
وقد صرح مسؤولون بصناعة التأمين بأن إجمالي مطالبات التعويض قد تصل إلى حوالي مليار دولار هذا العام بعد رصد جميع الحوادث التي وقعت حتى الآن في مقابل العائد من أقساط التأمين والذي يبلغ حوالي 600 مليون دولار فقط. ومع أن هذا هو العام الأسوأ لقطاع تأمين الفضاء منذ 2019، فقد تضاعفت أسعار التأمين تقريباً بين عشية وضحاها. غير أن هذه هي أفضل نتيجة ممكنة في تلك الفترة.
ويعلق دينيس بنسوسان، رئيس قسم الفضاء في شركة بيزلي للتأمين قائلاً: «أعتقد أن الوضع هذا العام من حيث الخسائر مقابل دخل الأقساط سيكون أسوأ من عام 2019، ولكنني أتوقع اتخاذ سوق التأمين إجراءات تصحيحية على نطاق أكبر وأطول زمناً».
وبالحديث عن حجم هذا التصحيح، فقد أثار هذا الموضوع جدلاً ساخناً ضمن فعاليات الأسبوع العالمي للأقمار الاصطناعية ذات الأغراض التجارية الذي أقيم أخيراً في باريس. وتكهن العديد من خبراء الصناعة بحدوث انكماش في طروحات الاكتتاب.
وبالفعل، فقد شهد قطاع التأمين خروج عدد من الشركات العاملة بهذا السوق، وذكر أحد وسطاء التأمين بصناعة الفضاء المخضرمين أن هناك الكثير من العاملين يشعرون بالقلق تجاه وضعهم الآن، وأضاف وسيط آخر أن الوضع لا يبدو جيداً على مدى السنوات الخمس المقبلة.
ومما يزيد من مخاوف شركات التأمين هو تعقد نماذج العمل المتبعة في الشريحة التجارية الأكثر ديناميكية من صناعة الفضاء، وهي الأقمار ذات المدار المنخفض، والذي يخلق ازدحاماً متزايداً في بعض المدارات، وغياب القواعد الدولية لتنظيم هذا الاستخدام الجديد في مجال الفضاء.
وتقدر شركة «يوروكونسلت» للاستشارات وأبحاث السوق الخاصة بصناعة الفضاء أنه من المتوقع إطلاق حوالي 26100 قمر اصطناعي صغير على مدار العقد المقبل، أي ما يقرب من أربعة أضعاف ما تم إطلاقه في العقد السابق، ومعظمها سيكون جزءاً من المجموعة الضخمة من الأقمار الاصطناعية ذات المدار المنخفض مثل «ستارلينك» الذي تنتجه شركة إيلون ماسك أو شركة وان ويب البريطانية.
وفي ضوء هذا التزاحم، يلوح خطر حدوث سلسلة كارثية من الاصطدامات مشكلاً مصدر قلق متزايداً لخبراء المجال.
ومع ذلك، فإن العديد من الشركات التي تعمل بالمجال غير مؤمن عليها، حيث ذكرت شركة «أكسا إكس إل» أنه من بين 4400 قمر اصطناعي منخفض المدار تم رصدها في عام 2021، تم التأمين على 47 قمراً اصطناعياً فقط.
وتجدر الإشارة إلى أن معظم هذه النوعية من الأقمار أصغر وأرخص وعادة ما تكون جزءاً من مجموعة كبرى تضم مئات أو آلاف المركبات الفضائية، لذا فإن فشل قمر اصطناعي أو اثنين منها لا يعتبر مشكلة.
وقد صرح آدم ستورمر، أحد وسطاء تأمين الصناعات الفضائية بشركة مارش بأن مصنعي تلك الأقمار غالباً ما يتعاقدون على وثائق تأمين قليلة التكلفة، أو لا يقومون بأي تأمين على الإطلاق نظراً لتوافر سعة احتياطية في المدار.
وأضاف ستيفان جيرمان، رئيس شركة «جي اتش جي سات» الناشئة والمتخصصة في تصميم أنظمة مراقبة انبعاث غاز الميثان أنه مقارنة بالتكلفة الصغيرة نسبياً لهذه الأقمار الاصطناعية، فإن تحمل شركات الأقمار الاصطناعية الصغيرة عبئاً تأمينياً كبيراً قد يتسبب في عزوفها عن العمل في هذا المجال من الأساس.
ورغم تردد الشركات في التأمين على الأصول الخاصة بالأقمار ذات المدار المنخفض، فإنه لا يمكن تجاهل ضرورة التأمين على المسؤولية تجاه الغير في العديد من البلدان. ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال، تتحمل الشركة التأمين بمبلغ 60 مليون يورو لكل قمر اصطناعي كحد أقصى، مع تغطية الدولة لما يزيد على ذلك وفقاً للمنصوص عليه في القانون الدولي. ومع ذلك، فإن هذا الحد الأقصى قيد المراجعة في المملكة المتحدة، كما تراجع دول أخرى النهج المتبع في هذا الأمر.
جدير بالذكر أن الحد الأقصى الحالي كان منطقياً عندما كان حجم سوق الأقمار الاصطناعية ذات الأغراض التجارية لا يتجاوز عدد اثنين أو ثلاثة أقمار على ارتفاع 35 ألف كيلومتر فوق الأرض في مدار ثابت، بيد أن هذا المبلغ أصبح غير مناسب بالنظر إلى المجموعات الضخمة من الأقمار العاملة في المدار المنخفض.
بالطبع، ستكون التكلفة باهظة. لذا، اقترحت المملكة المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر التقدير المتغير للمسؤولية التأمينية وفقاً للمهمة، آملة بذلك أن يكون هذا الإطار أساساً للمعايير التشريعية المشتركة دولياً. فمن ناحية، سيساهم النظام الجديد بشدة في تقليل مخاطر الحوادث المدمرة، كما يمكن أن يحقق قدراً جيداً من طمأنة سوق التأمين المتقلب في هذا القطاع.
إن من شأن الأطر التنظيمية المشتركة أن تكون أداة قيمة لتقييم المخاطر، مما يسمح لشركات التأمين بتحفيز الشركات صاحبة المشروعات الأكثر استدامة عن طريق تحصيل أقساط تأمينية أقل. وحتى لو لم يكن التأمين أولوية ملحة لمصنعي الأقمار ذات المدار المنخفض الآن، فإن قطاع الفضاء يحتاج إلى سوق تأمين مستقر ومستدام.
وعلى مدار العقد المقبل، ترى شركة يوروكونسلت بأن صناعة الأقمار الاصطناعية الصغيرة سوف تصل إلى قيمة سوقية تقدر بحوالي 110 مليارات دولار. ومع وصول الصناعة إلى مرحلة النضج، واعتماد العملاء على خدماتها، فقد يأتي اليوم الذي تصبح فيه مخاطر الاضطراب كبيرة جداً حتى بالنسبة لشركات مثل ستارلينك.