قبل سنة مضت، ونتيجة للإضرابات، استغرقت وقتاً طويلاً للوصول إلى حيث اعتدت تناول المرطبات من آنٍ إلى آخر. عدة ساعات مضت، قبل إدراك الشعور بالمهانة التي ألمت بي. فهمت أنني تعرضت لآثار قضية سياسية، بدا تأثيرها الفعلي ملموساً.
إن الحكومات في جميع أنحاء أوروبا الآن تقرر متى وكيف يجب استخدام مراجل الغاز في المنازل! وبصفتي مستأجراً، فهذا أمر محسوم. المالك سيقرر تحميل النفقات بطريقة لن أشعر بها. ماذا عن السيارات الكهربائية؟ أنا لا أقود تضخماً اقتصادياً، أستطيع الترشيد دون معاناة. الضائقة التي تعاني منها أوروبا! أحب الترحال. ويمكنني الابتعاد بعض الوقت، ففي سنغافورة يزداد تطور سوق المأكولات كثيراً!
البريكست؟ الضحايا المباشرون ليسوا كتاب الأعمدة المدللين، بل هم صغار التجار والفنانين المتجولين، والعلماء الباحثين. لقد أصبحت لندن مدينة كوزموبوليتانية أكثر وليس أقل مما كانت عليه في عام 2016. ماذا عن البنية التحتية؟ عملة ثمينة إذا كنت تعيش في منطقة نائية أو سيئة الحظ. أما المدن الغنية حول العالم ففائقة الجودة. ماذا عن التعليم؟ المستقبل البعيد، الروبوتات القاتلة، الحروب الكبرى على الموارد الأساسية في سبعينيات القرن الحادي والعشرين؟ لم أنجب أطفالاً كي أخاف عليهم.
أصدقائي، يبدو أنني تركت التاريخ وبخلاف المواضيع الجدية ذات العلاقة بالضرائب والقانون والنظام، فإن قضايا اليوم لا تؤثر فيّ كثيراً. إنني أجد أنه من المثير مراقبة السياسة، كما يفعل عالم الحيوان في مستعمرة لحيوان الومبت، ولدي بالتأكيد تفضيلاتي الخاصة، إلا أن شيئاً مثل تفتت العالم الحديث، كتب لي النجاة من التعرض بشكل شخصي للقرارات السياسية.
إن إطلاق مسمى على هذا النوع من الحياة، هو تحدٍ حقيقي. إنها ليست نوعاً من «اللامبالاة». السياسة هي الجزء الرئيسي من عملي. وفقط في الثلاثينيات من حياتي، فقدت عادة فترة بلير/ كينتون في اعتبار الأشخاص خارج دوائر السياسة والدوائر المجاورة لها «مدنيين». أحتاج بالكاد لمتابعة الأخبار، ذلك أنني أحصل عليها من محيط تأثير وجودي في هذا العالم وما حوله. (برامج البودكاست السياسية مخصصة للمدنيين). نمط الحياة الذي أتحدث عنه إذن، ليس نمطاً غير سياسي. بيد أن أفضل ما يمكنني صنعه هو «الخروج عن مسار السياسة». إنها حياة لا تصلها ممارسات الحكومات. إنها تمثل مناعة قوية في معظم الحالات.
إنها يمكن بلوغها لكنها سنحتاج إلى العناصر التالية: دخل في الفئة الأعلى من الطبقة المتوسطة (لست بحاجة أن تصل إلى حد الثراء، كما أنه من العيب امتلاك الأصول. فأصحاب الأصول عبيد لدورة أسعار الفائدة، وبالتالي للسياسة). موقع سكن في مدينة كبرى ببلد غني ومسالم، وكذلك، لا يكون لديك أطفال. ومن المفيد أن تكون في منتصف العمر. إن الشباب، الذين قد يفقدون أجمل سنوات حياتهم بسبب تعدد الأزمات، معرضون لتأثيرات السياسة. وكبار السن حساسون للسياسة بطرق أخرى: كمستفيدين معتادين لخدمات الرعاية الصحية، أو كأشخاص ذوي دخل ثابت. لذلك، تقع المرحلة الأجمل خارج مسارات السياسة بين عمر 35 إلى 55.
ما إن تستوفي كل هذه المعايير، حتى تشعر بحصانة غريبة من «مختلف الشؤون». وهناك أعداد متزايدة منا يفون بهذه المعايير. انظر إلى انخفاض معدل المواليد في الدول الغنية. وهناك أقلية متزايدة من الناس لن يشعروا بتأثيرات السياسة كثيراً.
قبل بضع عطل أسبوعية، حضرت عرضاً استثنائياً للسيمفونية الأولى لجوستاف ميلر. كان ذلك في بولد تيندينسيز في جنوب شرق لندن؛ المنافس للرقم 1111 بلينكولن رود في ميامي، كأفضل مواقف السيارات متعددة الطبقات على وجه الأرض. كان المشهد يكاد يستحق تفويت حضور الحفلة الموسيقية من أجله، نظراً لكونها المنطقة الأكثر حيوية في المدينة، في حين كان الجمهور أصغر سناً من الجمهور المستهدف جذبه للحفل، حتى أصوات القطارات خلال مرورها التي كانت مصدراً للإزعاج في البداية، تحولت إلى علامة جمالية إضافية لفرقة الأوركسترا الفيلهارمونية.
الشيء الوحيد الذي بدا معرقلاً هو الإطار السياسي للعرض. (كان ذلك جزءاً من سلسلة عروض حول الأزمات البيئية وغيرها) لكنني أعتقد أن الخطأ كله يقع على عاتقي. بالنسبة لأغلب الناس هناك، الذين يأملون التمكن من رعاية أطفالهم أو الحصول على قرضٍ عقاري، فإن السياسة يجب أن تتسم بالصلابة والفورية. في حين أنني، بعد عقد مضطرب من السياسة المحلية والعالمية، أعيش بنفس القدر الذي عشته في عام 2013. سوف تبدو الحياة خارج دوائر السياسة للبعض وكأنها غير إنسانية. بالنسبة لي، إنها معجزة الحداثة، لكن استمراريتها لوقت طويل تبدو أمراً استثنائياً.