تذكر قصص الهنود الحمر أن عجوزاً جلس إلى حفيده حول نار مشتعلة بليلة باردة، وأراد أن يوصل له أحد أهم دروس الطبيعة البشرية ونواميس الحياة، فقال له:
«يا بني، إن في داخل كل إنسان ذئبين يتصارعان، أحدهما صالح ومسالم ومحب للخير، والآخر شرير ومخادع ومحب للإضرار بالآخرين»، فقال الصغير: «ومن ينتصر في هذا الصراع يا جدي؟»، فرد العجوز: «الذئب الذي تطعمه أكثر» !
تثبت لنا الأيام على الدوام أن الغرب لا يرانا إلا صنفاً دونياً من البشر، وعلى كثرة ما نرى ونواجه إلا أن فينا من يصرخ دون توقف بأننا حساسون بصورة مبالغ فيها، وأن الأمر لا يعدو أن يكون له تبرير قد لا نعرفه، أو ربما كان بمحض الصدفة وبحسن نية فخرج بهذا الشكل السيئ، فالغرب لا يحتاج لأن يدافع عن نفسه، ففينا من هو خير محام لهم وبالمجان.
فكلنا نذكر كيف وقفت أوروبا وأمريكا بصف أوكرانيا وفتحت الحدود لكل اللاجئين البيض فقط، وبقي الملونون يقاسون ويلات البرد والجوع والخوف، وما زالت الأموال والمعونات والأسلحة تنهال دون توقف لدعم الجانب الأوكراني بدعوى أنه يدافع عن أرضه أمام قوة غازية غاشمة!
هذا الموقف ينقلب للضد تماماً عندما يكون الطرف الأضعف والمظلوم والمغتصب حقه عربياً أو مسلماً، وهو ما نراه في تجييش الإعلام الغربي لكل ما يستطيعه لشيطنة الشعب الفلسطيني في غزة وتحميل المدنيين من أطفال ونساء وعزل وزر فصيل مسلح، لتقصف المباني والدور على رؤوس أصحابها باستخدام أشد الأسلحة المحرمة دولياً فتكاً.
وليمتد الانتقام البشع لقطع الكهرباء والماء عن الناس ليتضوروا عطشاً حتى الموت أمام أعين العالم المتحضر المنافق، وليطال الاستهداف الصهيوني المستشفيات والمدارس ورياض الأطفال والمساجد بمباركة قل نظيرها من أمريكا وحلفائها الذين طالما تغنوا بالسلام والتعايش وتقبل الآخر!
استوقفني أيضاً ذلك السعار الذي أصاب المؤسسات الغربية الرسمية وهي ترفض أي شكل من أشكال التعاطف مع الشعب الفلسطيني الأعزل الذي تفتك بأطفاله الصواريخ والقنابل الفوسفورية وتفرض غرامات مالية على كل فرد يشارك في أي تظاهرة تنديد بالإجرام الصهيوني في المدن الأوروبية، مدن الحرية المزعومة، ويصل الأمر بإدارة نادي سيلتك الإسكتلندي للتبرؤ من وقفة مشجعيه المتضامنة مع المدنيين الأبرياء الذين يقتلون على مرأى من العالم، ما دعا أولئك المشجعين لإصدار بيان يؤكدون فيه وقفتهم مع كل المظلومين في العالم وأولهم الشعب الفلسطيني الذي اغتصبت بلاده ووضع في أكبر سجن مفتوح في تاريخ البشرية!
بالتأكيد من حق أي إنسان أن يرفض تصرف «حماس» أو يوافق عليه، أن يعتبره انتحاراً وجنوناً وعبثية حمقاء أو يراه جرأة لكسر أسطورة الجيش الذي لا يهزم، أن يراه عمالة وحرباً بالوكالة عن دولة أخرى عرفت بأعمالها التخريبية بالمنطقة، أو يراه حقاً مشروعاً كشعب يناضل لتحرير بلاده بعد أكثر من سبعين سنة من الاحتلال والقهر والظلم، من حق كل إنسان أن يرى ما يروق له، لكن لا يمكن قبول شماتة البعض بما يحصل للأبرياء العزل الذين منعت حتى المساعدات الغذائية والطبية عنهم، إن لم يكن من باب الدين فمن باب العروبة، وإن لم تكن هذه فمن باب المروءة لمن لم تمت مروءته بعد!
هبة كل العالم الغربي للوقوف بكل «وحشية» مع إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل تختصر لنا كل ما يمكن أن نتوقعه من الغرب فيما يخص حق هذا الشعب الأبي، شخصياً لا أرى بعد ما رأيت هذا السعار الغربي أي أمل بحل الدولتين، ويبدو أن المكاسب السياسية بعد اقتراب الانتخابات في بعض هذه الدول جعل رؤساءها يستميتون في محاولة إرضاء إسرائيل أكثر، هي فترة مريرة وقادم أيام أشد مرارة، فالذئب الذي يتم تسمينه من كل الغرب نعرفه جيداً!