المتابع للتحركات الدبلوماسية الإماراتية هذه الأيام يلمس حراكاً كبيراً، خصوصاً وأن دولة الإمارات على أعتاب استضافة مؤتمر الأطراف Cop 28 في نهاية الشهر المقبل.
حراكاً دبلوماسياً لافتاً للأنظار وملهماً للتجربة الإماراتية ونموذجها المتفرد. تقوم دبلوماسية وسياسة الإمارات الخارجية على ثوابت إنسانية راسخة عدة وجملة من المبادئ والقيم الاجتماعية التي تختزل جوهر الثقافة الإماراتية بنقائها وعفويتها وبساطتها.
فمن أهم ثوابت السياسة الخارجية هي عدم التدخل في شؤون الآخرين وحل الخلافات السياسية بالطرق السلمية والانفتاح على العالم بأسره دون تمييز أو تبنى مواقف سياسية مسبقة. وقد نجحت هذه الدبلوماسية في جذب أنظار المراقبين لتجربة دولة الإمارات هذه والبناء عليها عند اتخاذ القرارات السياسية الحاسمة التي تخص الإمارات والمنطقة.
وفي الوقت الذي يعاني فيه العالم من حالة عدم اليقين وعدم الاستقرار، إما بسبب حالات التوتر بين الدول أو حالات الحروب والنزاعات، تبرز تجربة الإمارات كتجربة فريدة استطاعت، أن تبرز وتنجح وتتطور وأن تجعل من الدولة لاعباً رئيساً على الساحة العالمية. ولكن السؤال هو كيف تشكلت هذه الثوابت وكيف تبلورت في الوعي الجمعي الإماراتي؟
تدل الدراسات المعمقة على أن الثقافة الإماراتية المشتقة من عمق الصحراء وثقافة البحر لا تزال هي المحرك الرئيس للعلاقات الخارجية والعلاقات المجتمعية وللوعي الجمعي عموماً. فمثلاً، سياسة اليد البيضاء التي اتبعتها الإمارات داخلياً وخارجياً هي من عوامل تفرد الدولة، وهي سياسة خطها زايد المؤسس وسارت عليها الدولة منذ تأسيسها، وهي أيضاً سياسة ثبت جدواها وأهميتها للإمارات وللدول التي استفادت من تلك اليد الممدودة.
سياسة الحوار والتفاهم لحل الخلافات هي الأخرى مشتقة من ثقافة الصحراء والبحر. فحين تشح الطبيعة فلا شيء يجنب الحروب والاقتتال سوى التفاهم والحوار لحل قضية تقسيم الموارد. أما سياسة الانفتاح على العالم فترجع إلى كون تلك المجتمعات موانئ ومدناً تجارية عاشت على الاتجار مع الآخر وتبادل المنافع والمصالح معه.
من ناحية أخرى، فإن من العلامات التي تدل على تفرد المجتمع ورقيه هي وعيه الجمعي وتعامله مع الآخر معاملة فيها الكثير من الاحترام والتقدير والندية، وهي علامات تؤشر على الرقي الإنساني والأخلاقي. وهذا الأمر نراه في تجربة الإمارات، الأمر الذي زاد من احترام الآخرين للدولة وسياساتها الخارجية. فلا تمييز ولا كراهية.
وفي الواقع فإن تعامل الإمارات المتوازن لا ينطبق فقط على السياسة الخارجية، بل هو نهج الإمارات في تعاملها مع قضايا كونية تهم العالم وتتعلق بالتنمية الداخلية والحقوق والمشتركات الإنسانية. فتعامل الدولة مع مخرجات تلك العناصر كالهجرة الوافدة، أو التعدد الإثني الموجود في الدولة، يدل على رقي أخلاقي وتعامل إنساني متفرد جذب لها اهتمام العالم.
ولكن كيف استطاعت تلك الثقافة الجمعية البقاء والتكيف مع متغيرات العصر وضغوطه؟ في الواقع لم تساوم الإمارات أبداً على نهجها المتوازن هذا، ولم تحِد عنه رغم الضغوط الإقليمية والعالمية، بل اعتبرته نهجها الدائم ومن الثوابت الرئيسة لسياستها الخارجية.
فعلى الرغم من متغيرات السياسة والاقتصاد العالمي إلا أن الإمارات بقت وفية للمبادئ التي أرساها الآباء المؤسسون، بل أضفت عليها الكثير من خصائص الحداثة والعصرنة. فقد أصبح المجتمع الإماراتي مضرب الأمثال في التنمية الحديثة التي جذبت لها كل الجنسيات والثقافات كما أصبح مضرب المثل في الأمن والأمان وتحقيق السعادة، في مقابل العواصف والأزمات التي تعصف بالعالم. فلم تكن التجربة الإماراتية تجربة عمران مادية فقط، بل تجربة أخلاقية أضفت عليها القيم والثوابت الإنسانية لمسة أخلاقية وروحانية لامست قلوب العالم.