لا يُعرف على وجه الدقة لماذا أدرج الفرد نوبل جائزة للسلام ضمن جوائزه في الأدب والكيمياء والفيزياء والطب.
فهو عراب الجوائز الأهم دولياً منذ العام 1901، حيث منحت أول مرة وتمنح كل عام لمن قدموا إنجازات في مجالاتهم. وكان آخر حفل تم فيه توزيع الجوائز قبل أيام من أكتوبر الحالي. وماذا سيقول لو رأى هذا الجنون العالمي بالتسلح والحروب المنتشرة كالبقع السرطانية على جسد الأرض؟!
يرجح البعض أن اختياره لجائزة السلام جاء تعويضاً عما فعل عقله بنية العمار ولكن ليس بنية الدمار والخراب. فهو المهندس الكيميائي مخترع الديناميت، الأب الأول للأسلحة التي تفتك بالإنسانية.
غير أن البعض الآخر يرى في تخصيص جائزة للسلام صحوة ضمير كونه لعب دوراً في تحويل صنع مدفع البوفورز من منتج للحديد والصلب إلى شركة للأسلحة.
وبالرغم أن الديناميت لم يستخدم في حياة نوبل إلا أنه ربما كان يتوقع أنه وضع العالم على طريق الهلاك البشري والحروب التي لا تنتهي.
وهذا ما حصل ويحصل الآن وغداً، فقد سار الإنسان في طريق الديناميت فطوّر الأسلحة بمختلف أنواعها بما فيها البيولوجية والكيميائية والنووية وما يعرف بأسلحة الذكاء الاصطناعي.
وغدت شركات الأسلحة من أكبر الشركات التي تحقق أرباحاً. لكنها أيضاً تحصد الأرواح مع الأرباح الطائلة! قال معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام «سيبري»، إن الإنفاق العسكري العالمي بلغ مستوى مرتفعاً جداً جراء الحرب الروسية الأوكرانية وارتفع بنسبة 3.7 %.
وأوضح أن أوروبا شهدت أعلى زيادة في 30 عاماً على الأقل، بنسبة 13 % ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الزيادات الحادة في الإنفاق من قبل روسيا وأوكرانيا. كما أثرت المساعدات العسكرية إلى كييف والمخاوف من أن تمثل روسيا تهديداً أكبر على قرارات الإنفاق في العديد من الدول الأخرى.
وعلى الصعيد العالمي، فقد واصلت دول العالم إنفاق المزيد من الأموال على الجيوش مقارنة بالعام السابق للعام الثامن على التوالي. وأوضح الباحث في سيبري «نان تيان» أن «الارتفاع المستمر في الإنفاق العسكري العالمي خلال السنوات الأخيرة هو علامة على أننا نعيش في عالم يتزايد فيه انعدام الأمن».
ولا تزال الولايات المتحدة تتصدر الإنفاق بشكل واضح وبواقع 877 مليار دولار بما في ذلك 19.9 مليار دولار من المساعدات العسكرية لأوكرانيا، تليها الصين وبواقع تقديري بلغ 292 ثم روسيا التي أنفقت حوالي 84 ملياراً قافزة من المركز الخامس إلى المركز الثالث، وسجلت أوكرانيا زيادة قدرها 640 % وتحتل حالياً المركز الحادي عشر بعد أن كانت في المركز الـ36 في العام السابق.
منذ عامين يشهد العالم اختلالاً خطيراً في الموازين. حروب في كل مكان وقعت أو مرشحة للوقوع، انقلابات في القارة السمراء، أزمات معيشية واقتصادية في القارة البيضاء، توتر في المنطقة الصفراء من آسيا الملونة حول تايوان وبحر الصين الجنوبي. الكل يريد أن يدير العالم على هوى مصالحه.
وحجرا الرحى، أمريكا والصين، كل يريد أن يدير النار إلى قرصه. الأولى تريد أن تبقى القوة الوحيدة المسيطرة من خلال النظام العالمي الحالي الذي تشكل في أعقاب الحرب العالمية الثانية. الثانية تريد إنهاء هذه المرحلة من التاريخ ليتشكل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب لا تكون فيه الهيمنة لقطب واحد هو أمريكا وحلفاؤها.
وهذا تحوّل مكلف لبعض شعوب العالم كما البقاء عليه مكلف للبعض الآخر. ولا يمكن أن يحدث إلا من خلال تنازلات أو من خلال حرب عالمية ثالثة. كلاهما الصين وأمريكا مثل زوجين اتخذا قرار الانفصال ويعيشان في غرفتين منفصلتين لكنهما يؤجلان الذهاب إلى المحكمة إلى أن يكبر الأولاد.
لذلك العلاقات بين بكين وواشنطن هبة باردة وهبة ساخنة. يوم يزور بكين وزير الخارجية الأمريكي ثم وزيرة المالية ويوم تصدر تصريحات من إحدى العاصمتين فيضع العالم يده على قلبه خشية أن تشتعل الحرب العالمية غداً. إلى أن تنضج الطبخة تنهمك مصانع الأسلحة بإعداد المزيد المتطور القاتل الحارق للإنسان. سامحك الله يا نوبل. تباً لطريق الديناميت الذي اخترعته وسار فيه الإنسان إلى قبره!