في الوقت الذي يخيم على المنطقة والعالم كله الأشباح السوداء لحرب أوسع بكثير مما يجري الآن في غزة، تتناثر في الأحاديث والكتابات مصطلحات ومفاهيم ذات علاقة مباشرة بما يجري في القطاع وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة عموماً، ويراها كثيرون أنها القادرة على سرعة حل عديد من الكوارث الإنسانية الكبرى التي باتت غزة وأهلها في قلبها. والحقيقة أن ما يجمع هذه المفاهيم والمصطلحات، هو ما يعرف باسم «اتفاقيات جنيف الأربع»، التي عقدت عام 1949 لتنظم، أثناء الحروب والنزاعات المسلحة، كل ما يتعلق بحماية الأشخاص الذين لا يشاركون فيها أو توقفوا عن هذه المشاركة مثل الجرحى والأسرى.

وهنا يظهر مفهوم ومصطلح «القانون الدولي الإنساني»، الذي تعد هذه الاتفاقيات الأربع وبروتوكولاتها الإضافية، هي جوهره الأساسي، بما تنظمه من سلوك للدول أثناء النزاعات المسلحة، بما يؤدي إلى الحد من مخاطرها على الأفراد المشاركين فيها أو المتعرضين لتأثيراتها المباشرة. وبصورة عامة، فاتفاقية جنيف الأولى تتعلق بحماية الجرحى والجنود والمرضى في الحرب البرية، وكذلك المسؤولين عن الصحة ومؤسساتهم ووسائل عملهم، وأيضاً المؤسسات الدينية. وتتعلق الاتفاقية الثانية بحماية الجرحى والمرضى، والجنود الناجين من السفن الغارقة في وقت الحرب، بينما تنطبق الاتفاقية الثالثة على أسرى الحرب، بكل ما يتعلق بهم من تفاصيل.

أما الاتفاقية الرابعة، التي هي محل تركيز هذا المقال نظراً لارتباطها المباشر بما يجري حولنا اليوم، فمنوط بها بشكل مباشر توفير الحماية للمدنيين، بما في ذلك المقيمون في الأراضي المحتلة. ولن نفرط في شرح وتفسير ما تحتويه هذه الاتفاقية، بل سنكتفي بإيراد بعض من موادها ذات الصلة المباشرة بالأحداث الخطيرة الدائرة مؤخراً.

المــادة (2): علاوة على الأحكام التي تسري في وقت السلم، تنطبق هذه الاتفاقية في حالة الحرب المعلنة أو أي اشتباك مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يعترف أحدها بحالة الحرب. وتنطبق الاتفاقية أيضاً في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يواجه هذا الاحتلال مقاومة مسلحة.

المــادة (3): في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة، يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية:

[1] الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر.

ولهذا الغرض، تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقى محظورة في جميع الأوقات والأماكن:

(أ) الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب.

(ب) أخذ الرهائن.

(ج) الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة.

]2[ يجمع الجرحى والمرضى ويعتني بهم.

المــادة (18): لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء النفاس، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات.

المــادة (23): على كل طرف من الأطراف السامية المتعاقدة أن يكفل حرية مرور جميع رسالات الأدوية والمهمات الطبية ومستلزمات العبادة المرسلة حصراً إلى سكان طرف متعاقد آخر المدنيين، حتى لو كان خصماً. وعليه كذلك الترخيص بحرية مرور أي رسالات من الأغذية الضرورية، والملابس، والمقويات المخصصة للأطفال دون الخامسة عشرة من العمر، والنساء الحوامل أو النفاس.

المــادة (55): من واجب دولة الاحتلال أن تعمل، بأقصى ما تسمح به وسائلها، على تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية، ومن واجبها على الأخص أن تستورد ما يلزم من الأغذية والمهمات الطبية وغيرها إذا كانت موارد الأراضي المحتلة غير كافية.

المادة (59): إذا كان كل سكان الأراضي المحتلة أو قسم منهم تنقصهم المؤن الكافية، وجب على دولة الاحتلال أن تسمح بعمليات الإغاثة لمصلحة هؤلاء السكان وتوفر لها التسهيلات بقدر ما تسمح به وسائلها. وتتكون هذه العمليات التي يمكن أن تقوم بها دول أو هيئة إنسانية غير متحيزة كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، على الأخص من رسالات الأغذية والإمدادات الطبية والملابس. وعلى جميع الدول المتعاقدة أن ترخص بمرور هذه الرسالات بحرية وأن تكفل لها الحماية.