في وقت تنتشر وتتكاثر فيه الأزمات بمختلف أنواعها وأشكالها، وفي مختلف مناطق العالم، وفي ظروف صعبة يسودها التعتيم والتضليل والتشويه والأفكار المسبقة والصور النمطية، وصراع الثقافات والحضارات والعنصرية والجهل، وثقافة إقصاء الآخر والصراع المحتدم على الصورة والرأي العام، يتساءل الفرد في المجتمع عن مصداقية ما يشاهده ويسمعه ويقرأه. أين هو الحياد والموضوعية والأخلاق في تغطية وسائل الإعلام لما يجري في أنحاء عديدة من العالم. أين هو الصدق وأين هو التهويل؟ أين هي الحقيقة، وأين هي الدعاية؟ ما هو دور الإعلام في مثل هذه الحالات؟ هل تتحول وسائل الإعلام في زمن الحروب والأزمات إلى آلات لإثارة الفتنة والتهويل والتضخيم والتسيّيس والتلاعب بدلاً من تنوير وتثقيف وتوعية الرأي العام، بهدف الحوار والنقاش والتفاهم وإطفاء نار الضغينة والحقد والكراهية. هل صحيح أن منطق الحرب يقوم على أن «الحرب بدون تلفزيون ليست حرباً» وهل أن «جوبلز»، وزير الدعاية الألماني في عهد هتلر، على حق عندما قال «اكذب ثلاث مرات ففي المرة الثالثة ستصدق كذبتك».

يعيش عالم اليوم صراعات ونزاعات عنيفة وحروباً وأزمات عديدة ومختلفة كالإرهاب والأزمة المالية العالمية، أزمات تتسم كلها برهانات وانعكاسات وخيمة جداً، تمس الفرد والمجتمع والدولة، فالأزمات طالت كل المجالات الحياتية، وأدت إلى إعادة تشكيل العلاقات بين الأمم والدول والشعوب، وفق عوامل ومعطيات، يعجز الأفراد والمؤسسات وحتى الأنظمة على التحكم فيها. كيف تتعامل وسائل الإعلام مع الأزمات المختلفة، وهل أداؤها في هذه الظروف يختلف عن أدائها في الأوقات العادية؟ هل تكتفي وسائل الإعلام بتغطية الأزمة؟ أم تسعى إلى تقديم حلول لها أم أنها تسيسها وتستغلها لتحقيق أهداف ومصالح معينة؟ هل تواجه المؤسسات الإعلامية ضغوطاً معينة عندما تتعامل مع الأزمات؟ هل هناك قرارات أخلاقية يلجأ القائمون على المؤسسات الإعلامية إلى اتخاذها نظراً للرهانات والانعكاسات العديدة، التي تتميز بها كل أزمة؟ 

نلاحظ هذه الأيام ظاهرة انتشار التضليل والتعتيم والصور النمطية والتشويه، وانتشار ظاهرة ثقافة الحقد والكراهية والخوف من الآخر، والعمل على إقصائه، فالعالم اليوم يعيش صراع الصورة وصراعاً شرساً على كسب الرأي العام، وهذه الصراعات مع الأسف الشديد تحدث في أحيان كثيرة بتواطؤ غير أخلاقي، وغير شريف لوسائل الإعلام مع سلطة المال والسياسة، فالإعلام العربي اليوم مطالب أكثر من أي وقت مضى بأن يتعامل بمهنية وحرفية وبأخلاق عالية مع الأزمات المختلفة سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية، ومطالب بأن يتحلى بالقيم الإسلامية السمحاء، وبنقل ثقافة الحوار والتسامح إلى الآخر، والتفاعل الإيجابي معه، فالإعلام العربي اليوم مطالب بتقديم صورة الإسلام والحضارة الإسلامية والثقافة الإسلامية إلى الآخر في مختلف القضايا المصيرية، التي تهم البشرية، ودفع جسور التواصل مع شعوب العالم والحوار مع الآخر وحوار الثقافات، فشعوب العالم اليوم في أشد الحاجة إلى الأديان السماوية، التي تنادي بالوحدانية واحترام إنسانية البشر جميعاً مهما اختلفت أجناسهم وألوانهم والتاريخ خير شاهد على ما يحدث من مآس إنسانية حين تتغلب الطلقة على الكلمة، ويفرض منطق القوة الغاشمة سطوته على حديث العقل. 

فمعادلة الإرهاب والإعلام، على سبيل المثال لا الحصر، تطرح مشكلة الوطنية،وحق الفرد في المعرفة وابتزاز واستغلال الإرهابيين لوسائل الإعلام، للحصول على منبر يحقق لهم العلانية والحضور الإعلامي، والوصول إلى الرأي العام محلياً ودولياً. أين هي مصلحة الفرد والمجتمع في ظل هذه العلاقة المعقدة، وهل هناك تعارض بين الابتزاز والاستغلال وحق الفرد في المعرفة؟ وهل هناك تعارض بين الحرفية والمهنية من جهة، والبحث عن السبق الصحافي والإثارة والتهويل والتضخيم من جهة أخرى؟ رهانات وتحديات عديدة تواجهها وسائل الإعلام في مثل هذه الظروف وما العمل؟ التغطية والتلاعب والبحث عن الإثارة والسبق الصحفي أم المقاطعة؟

من خلال تغطية الحروب نلاحظ أزمة النظرية الإعلامية في تفسير سلوك الصحافيين والمؤسسات الإعلامية، فعلى عكس الظروف العادية والطبيعية تواجه التغطية في زمن الحروب والأزمات رهانات وتحديات عديدة، وتصبح الممارسة الإعلامية جزءاً لا يتجزأ من الحرب نفسها. ظروف الحرب إذن تفرز اختراق مبادئ الحرية والموضوعية، بحيث إن الممارسة الإعلامية خلال الحرب تختلف عنها في الظروف العادية، وفي الأخير نلاحظ انحياز المؤسسة الإعلامية في تغطيتها للحرب إلى موقف الدولة، التي تنتمي إليها من الحرب.

يمكن القول: إن المنظرين لممارسة الإعلام في المجتمعات المختلفة وكذلك الدارسين لعلاقة الإعلام بالسلطة والمؤسسات السياسية والاقتصادية فشلوا فشلاً كبيراً في وضع معايير ومقومات لشرح سلوك المؤسسات الإعلامية والصحافيين أثناء تغطية الحروب والأزمات، فالنظريات الأربع: نظرية السلطة، نظرية الحرية، النظرية السوفيتية، نظرية المسؤولية الاجتماعية لم تتطرق إلى إشكالية علاقة الحكومة بوسائل الإعلام في زمن الحرب والأزمات، كما لم تتطرق إلى علاقة الصحافي بالسلطة في هذه الظروف، وما يمكن قوله في هذا السياق هو أن الممارسة الإعلامية في زمن الحروب والأزمات لا تختلف من نظام إعلامي إلى آخر ولا من نظام سياسي إلى آخر، وتصبح متشابهة حيث يتحول الإعلام إلى مزيج من الإعلام والعلاقات العامة والحرب النفسية والدعاية والتلاعب والتضليل والتشويه سواء تعلق الأمر بالدول الديمقراطية، أو الدول الدكتاتورية، أو الدول المتقدمة، أو الدول النامية، أو غيرها من الأنظمة السياسية المتواجدة في هذا الكون. من جهة أخرى نلاحظ أن الممارسة الإعلامية في زمن السلم والظروف العادية تختلف عن زمن الحروب والأزمات خصوصاً إذا تعلق الأمر بالدول الديمقراطية، والتي لها تقاليد في حرية الصحافة. 

الملاحظ في هذه الأيام، وفي ظل الأزمات والصراعات الكبيرة بين مختلف القوى سواء داخل الدولة الواحدة أو بين الدول هو أن الخطاب الإعلامي أصبح بعيداً كل البعد عن الرسالة الشريفة للإعلام وعن الحياد، والموضوعية، والكلمة الحرة، والصادقة. فأصبحت

هناك خطابات عديدة متضاربة ومتناقضة وكأنها تتعلق بأزمات مختلفة، وليست الأزمة نفسها، فاختراق الأخلاق والمهنية والقيم، التي تقوم عليها الصحافة الشريفة أصبح من سمات إعلام عصرنا الحاضر، الإعلام الذي فشل في المساهمة في حل الأزمات والحروب والأعمال الإرهابية، بل أسهم ويسهم في التشويه والتضليل والدعاية، وبث الحقد والكراهية وثقافة الإقصاء بين الشعوب والأمم. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو ما هي أهداف الإعلام، وما هي رسالته في عالم يحتاج إلى السلم والأمان والتقارب بين الشعوب والحضارات والديانات وليس الحروب والأزمات.