لأبي الفرج بن الجوزي كتاب عنوانه «أخبار الحمقى والمغفلين». يقول ابن الجوزي في مقدمة كتابه إنه لما شرع في جمع أخبار الأذكياء، وذكر بعض المنقول عنهم ليكون مثالاً يحتذى، آثر أن يجمع آثار الحمقى والمغفلين لثلاثة أشياء: الأول أن العاقل إذا سمع أخبارهم عرف قدر ما وُهِبَ له مما حُرموه، فحثَّه ذلك على الشكر، والثاني أن ذكر المغفلين يحث المتيقظ على اتقاء أسباب الغفلة إذا كان ذلك داخلاً تحت الكسب وعامله فيه الرياضة، وأما إذا كانت الغفلة مجبولة في الطباع فإنها لا تكاد تقبل التغيير، والثالث أن يروّح الإنسان قلبه بالنظر في سير هؤلاء المبخوسين حظوظهم يوم القسمة، فإن النفس قد تمل من الدؤوب في الجد، وترتاح إلى بعض المباح من اللهو.
تذكرت هذا الكتاب وأنا أستمع إلى رد الوزير اللبناني السابق وئام وهاب على مذيعة تلفزيون «إم تي في» اللبناني، التي سألته عمن سيعيد تعمير لبنان إذا ما تعرض للتدمير فكان رده صادماً إلى درجة أن المذيعة سألته عما إذا كان ما يقوله تهديداً فأجاب: «طبعاً..»، وأكمل رده، الذي يكشف عن الوجه القبيح لمؤسس «تيار التوحيد»، الذي ينتمي إلى «قوى 8 آذار» التي تضم قوى سياسية، أهمها حزب الله، وحركة أمل، والحزب الديمقراطي اللبناني وتيار المردة.
عدت إلى الكتاب أبحث عن تفسير لما سمعته، فوجدت ابن الجوزي يقول في ذكر الحماقة ومعناها: إنها مأخوذة من حمقت السوق إذا كسدت، فكأنه كاسد العقل والرأي، فلا يشاور ولا يلتفت إليه في أمر حرب، وينقل عن أبي المكارم قوله: إنما سُمّيت البقلة الحمقاء لأنها تنبت في سبيل الماء وطريق الإبل، وبها سُمّي الرجل أحمق، لأنه لا يميز كلامه من رعونته.
رد الوزير اللبناني السابق يجعل منه مثالاً للحماقة، التي عرّفها ابن الجوزي في كتابه، وأغلب الظن أن الاستقواء بمحور الممانعة، الذي ينتمي إليه هو ما دفعه إلى التشدق بما قال، وتهديد العرب بتخريب بلدانهم إذا لم يقوموا بإعادة إعمار لبنان، ونحن نعرف من يقصد بالعرب، الذين يهدد بلدانهم بالتخريب، لأن البلدان التي قامت بتعمير لبنان، وغير لبنان، في كل المرات التي دُمِّرت فيها تلك الدول، خلال العقود الماضية معروفة، لا تحتمل الغموض الذي حاول وئام وهاب تصنّعه، وهو يلف ويدور ويدّعي الحُمْق والبلاهة في المكالمة الهاتفية، التي أجراها معه أحد الناشطين، وأنهاها وئام وهاب كعادته بالشتم والسباب أيضاً.
نحن نربأ بلبنان أن يكون من بين أهله والمنتسبين إليه من يتحدث بهذه اللهجة البعيدة عن الأصول والذوق والأخلاق والحكمة، ليس في حق العرب وحكامهم فقط، وإنما في حق الشعب اللبناني نفسه، الذي وصفه وئام وهاب في المقابلة قائلاً: «نحن شعب فاسد.. نحن واطين.. ونحن تجار.. ونحن نصابين.. وسراقين.. ونغش.. وما نشتغل شيء مضبوط.. وفي المطاعم ننصب.. وفي المحلات ننصب.. وفي البضاعة ننصب... نحن دولة عصابة.. والشعب عصابة»، فهل يقبل الشعب اللبناني أن يكون وئام وهاب من المنتسبين إليه؟
إن هذا الأسلوب لا يناسب مجتمعات البلدان العربية، التي يتحدث عنها وئام وهاب، ويقول بوقاحة إنها ستقوم غصباً عنها بتعمير لبنان، مستخدماً ألفاظاً قبيحة، ويهددها بما سيجري لها لو لم تقم بذلك، وهو يرسم ابتسامة صفراء مستفزة على وجهه الأكثر استفزازاً ووقاحة.
واضح أن المشكلة ليست في العرب الذين يتحدث عنهم وئام وهاب، وإنما في التربية التي تلقاها، وفي الوسط الذي يعيش فيه، والذي يتحدث منه، والذي يتحدث عنه. لا نقصد بذلك وسط الإخوة اللبنانيين الشرفاء، وإنما الوسط الذي ينتمي هو إليه، أما أسلوب التهديد، الذي يتحدث به فهو لا يناسب إلا وسطه.
نتساءل، ووئام وهاب واحد من الفاسدين والتجار والنصابين والسراقين والغشاشين وأفراد العصابات، كما يصف هو نفسه: لماذا لا يقوم هو ورفاقه، الذين نهبوا خيرات البلد، بتعمير لبنان لو تعرض، لا قدر الله، للتدمير بفعل حماقاتهم ومغامرات محورهم؟
يمكننا أن نجد عذراً للحمقى، لكننا لا يمكن أن نجد عذراً للوقحين.