تعوّدنا أن يكون القضاء على البيروقراطية مطلباً شعبياً؛ لأن الشعب، أو جمهور المتعاملين، هو الذي يعاني من البيروقراطية وتبعاتها.
حكومة دولة الإمارات كسرت هذه القاعدة عندما أعلنت الأسبوع الماضي أن «تصفير البيروقراطية» مطلب حكومي أيضاً. هذا الإعلان جاء ضمن أجندة اليوم الثاني للاجتماعات السنوية لحكومة دولة الإمارات عبر إطلاق برنامج «تصفير البيروقراطية الحكومية» لتبسيط وتقليص الإجراءات الحكومية، وإلغاء الإجراءات والاشتراطات غير الضرورية.
في مرحلة جديدة للعمل الحكومي، بما يرتقي بمستويات الكفاءة والجودة والمرونة الحكومية في دولة الإمارات. تفاصيل البرنامج مذكورة في الخبر الذي تناقلته وكالات الأنباء، ونشرته الصحف والمواقع الإلكترونية، وتم تداوله عبر وسائط التواصل الاجتماعي المختلفة، رغم أن البعض يعتبره خبراً اقتصادياً، لكننا تعودنا في دولة الإمارات أن يكون الاقتصاد جزءاً من حياة الناس وليس قصراً على أهل الاختصاص.
فرؤية الإمارات تسعى قبل كل شيء إلى تسهيل الحياة، وتوفير الخدمات لجميع فئات المجتمع على مدار الساعة، وهي سياسة ليست جديدة على قيادة دولة الإمارات التي طالما دعت إلى تبسيط الإجراءات وعدم تعقيدها. تحضرني في مثل هذه المواقف الوصايا العشر لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في الإدارة الحكومية.
والتي وجهها للمسؤولين في العالم العربي عبر كتاب سموه «قصتي.. 50 قصة في خمسين عاماً». وأخص بالذكر منها الوصية الأولى، عندما قال سموه موجهاً كلامه للمسؤول: «الغاية من الإدارة الحكومية هي خدمة الناس، الغاية من الوظيفة الحكومية هي خدمة المجتمع، الغاية من الإجراءات والأنظمة والقوانين هي خدمة البشر:
لا تنس ذلك. لا تمجد الإجراءات، ولا تقدّس القوانين، ولا تعتقد أن الأنظمة أهم من البشر». هذه الوصية أصبحت أمراً واقعاً بعد أن تم توجيه الوزارات والجهات الحكومية إلى التبني الفوري لبرنامج «تصفير البيروقراطية الحكومية» بإلغاء ما لا يقل عن 2000 إجراء حكومي.
وخفض ما لا يقل عن 50% من المدد الزمنية للإجراءات، وتصفير جميع الاشتراطات والمتطلبات غير الضرورية خلال عام، يتم خلاله تقييم نتائج العمل والاحتفاء في نهايته بأفضل الإنجازات، حيث يمثل هذا البرنامج إضافة نوعية لجهود تحقيق محاور ومستهدفات مئوية الإمارات 2071، ويسعى إلى ترجمة المؤشرات الوطنية في رؤية «نحن الإمارات 2031».
هذا البرنامج يأتي استكمالاً لبرامج سبق أن طرحتها الحكومة في سنوات سابقة، مثل برنامج الحكومة الإلكترونية، وبرنامج الحكومية الذكية، وبرنامج المسرعات الحكومية، وغيرها من البرامج التي تهدف إلى إعادة التفكير في آلية عمل الجهات الحكومية بهدف دفع عجلة الابتكار قدماً، وتحقيق الخطط الطموحة لحكومة دولة الإمارات. يتساءل البعض:
ألم يكفِ حكومة دولة الإمارات ما حققته من إنجازات سبقت بها الكثير من حكومات دول العالم المتقدم؟ ويجيب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، قائلاً: «في سباق التميز، ليس هناك خط للنهاية». إن أكثر ما يميز حكومة دولة الإمارات أنها حكومة ديناميكية لا تقبل الوقوف عند نقطة معينة، حتى لو كانت هذه النقطة إنجازاً غير مسبوق، لأنها تعتبر الوقوف جموداً، والجمود ليس من سمات الأمم المتطلعة إلى تحقيق المراكز الأولى في مجال التنافسية الدولية.
هذا ما يجعل الدول الأخرى تلهث كي تلحق بدولة الإمارات، وتحاول مجاراتها فيما تعلن عنه من برامج، وما تحققه من إنجازات، وما تسجله من أرقام.
الإعلان عن البرنامج قال إن تقييمات مستمرة ستجرى لتقدُّمِ الجهات في تحقيق المستهدَف عن طريق الاستعانة بآلية شاملة، وبنهاية فترة العام المحددة للإنجاز سيصدر تصنيف للجهات، وإعلان الأفضل والأسوأ في تصفير الإجراءات والمتطلبات غير الضرورية. أختم بالوصية العاشرة من وصايا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، التي يقول فيها: «نحن محظوظون لأننا نعمل في الحكومات. وظيفتنا ليست وظيفة عادية، وظيفتنا أجمل ما في حياتنا، بل هي الحياة. وظيفتنا عظيمة، نغير من خلالها حياة الملايين نحو الأفضل. لا تستهن بدورك أو عملك أو جهدك، فأنت تعمل في مجال صنع الحياة، وتصميم المستقبل، وبناء الأوطان».