قررت روسيا سحب تصديقها على الاتفاق التاريخي الذي يهدف إلى حظر التجارب النووية في سلسلة عمليات إجرائية توجت بتصديق الرئيس الروسي على انتهاء العمل بمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية.

المدافعون عن الحد من الأسلحة يشعرون بالقلق من أن إلغاء تصديق روسيا على المعاهدة يمثل خطوة أخرى نحو تجدد سباق التسلح النووي العالمي.

يقول أندريه باكليتسكي، أحد كبار الباحثين في معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح في جنيف بسويسرا: «نحن في وضع سيئ». «نحن لسنا في وضع رهيب بعد، ولكننا في وضع سيئ... الانسحاب الروسي من الاتفاقية هو السبب الذي يجعل الخطوة الأخيرة التي اتخذتها روسيا مثيرة للقلق للغاية».

ومن شأن معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية أن تضع حداً لتجارب الأسلحة النووية إذ تهدف المعاهدة، التي فتح باب التوقيع عليها في سنة 1996، إلى وقف تجارب جميع الأسلحة النووية. ويعتقد خبراء الحد من الأسلحة أن إنهاء تجارب الأسلحة النووية وسيلة مهمة لمنع سباقات التسلح في المستقبل لأنه يمنع الدول من تطوير أنواع جديدة من الأسلحة النووية لجيوشها.

ولم تحصل المعاهدة بعد على توقيعات كافية لتدخل حيز التنفيذ، ولكنها تعد سبباً رئيساً وراء التزام العديد من الدول - ومن ذلك الولايات المتحدة وروسيا والصين - وقفاً طوعياً للتجارب النووية منذ التسعينيات، كما امتنعت الدول الأخرى التي لم توقع على المعاهدة، ومن ذلك الهند وباكستان، عن إجراء التجارب.

وإضافة إلى ذلك، أدت المعاهدة إلى إنشاء منظمة مكلفة بمراقبة الكرة الأرضية لإجراء التجارب النووية، ويقع مقرها في فيينا، وهي تدير شبكة من أجهزة قياس الزلازل والسماعات المائية وأجهزة كشف النويدات المشعة القادرة على التقاط حتى الانفجارات النووية الصغيرة في أي مكان على الكوكب، ولقد نجحت في الكشف عن التفجيرات النووية لكوريا الشمالية، وأعطت نظرة ثاقبة لبرنامج الأسلحة النووية لتلك الدولة.

ووقعت روسيا على الاتفاقية ولكنها تقول إنها تعيد النظر الآن، وقد وقعت جميع الدول باستثناء تسع دول على معاهدة حظر التجارب النووية، ولكن لم «تصدق» عليها كل الدول - أي أنها وافقت بالكامل على الالتزام بقواعدها، وقد وقعت كل من الولايات المتحدة والصين على المعاهدة، ولكنهما لم تصدقا عليها بعد.

وصدقت روسيا على المعاهدة في سنة 2000، ولكن بدأ مجلس الدوما الروسي، وهو المجلس الأدنى في الجمعية الفيدرالية، العمل على إلغاء هذا التصديق، وانسحبت روسيا من العديد من المعاهدات النووية التي أبرمت في حقبة الحرب الباردة في السنوات الأخيرة.

أولاً، انتهكت معاهدة تحظر تطوير الصواريخ النووية متوسطة المدى. وفي الآونة الأخيرة، علقت مشاركتها في اتفاقية ستارت مع الولايات المتحدة، والتي تحد من عدد الأسلحة النووية المنتشرة على كل جانب.

وفي تصريحات أدلى بها، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن سبب إلغاء التصديق على معاهدة حظر التجارب النووية هو جزء من علاقات «الانتقام» مع الولايات المتحدة. ويقول أندريه باكليتسكي، وهو باحث كبير في معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح في جنيف بسويسرا:

«هناك ميل في العامين الماضيين إلى أن روسيا ترغب في الحصول على كل ما تمتلكه الولايات المتحدة»، ولكن في الوقت نفسه، أشار بوتين إلى أن روسيا تعمل على تطوير أسلحة نووية جديدة، وأن البلاد قد تقرر اختبارها.

لقد قامت روسيا تاريخياً باختبار أسلحتها النووية في أرخبيل ناءٍ في القطب الشمالي يسمى نوفايا زيمليا، وتظهر صور الأقمار الصناعية قدراً كبيراً من النشاط المتجدد في الموقع، وفقاً لجيفري لويس، الأستاذ في معهد ميدلبري للدراسات الدولية في مونتيري. ويقول: «إنها مزدحمة للغاية في نوفايا زيمليا، ونحن نشهد الكثير من أعمال البناء». ويجرى تشييد مبانٍ جديدة كبيرة في الجزء الرئيس من الموقع، ويقول إن مجموعته تشهد أيضاً أعمال إصلاح وصيانة في أنفاق التجارب النووية في جميع أنحاء الموقع.

ويقول لويس إن روسيا ليست وحدها في هذا الصدد، فقد عملت الصين جاهدة أيضاً على تحديث منشآتها للتجارب النووية في لوب نور، كما قامت الولايات المتحدة أيضاً بتحديث منشآتها الاختبارية في ولاية نيفادا في الأعوام الأخيرة، ولو أن الحكومة الأمريكية تظل مصرة على أنها لا تخطط للعودة إلى التجارب النووية.

وفي الواقع، لا يعني النشاط دائماً حدوث تجربة نووية. ويقول باكليتسكي إن هناك العديد من التجارب غير النووية التي تجريها هذه الدول في مواقع التجارب الخاصة بها من أجل ضمان أن أسلحتها النووية لا تزال تعمل بشكل صحيح.

يقول لويس إن جزءاً على الأقل من الدافع وراء سحب التصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية والتفكير في الاختبارات هو الحرب في أوكرانيا. ويقول: «أعتقد أن الطريقة التي يرى بها الروس الأمر هي أنهم بانسحابهم من هذه الاتفاقيات، فإنهم يرفعون درجة الحرارة النووية». «وأعتقد أنهم يأملون أن يؤدي ذلك بطريقة أو بأخرى إلى إبطاء إدارة بايدن أو سحب دعمها لأوكرانيا».

يقول لويس إنه شخصياً لا يعتقد أن الاختبار الروسي وشيك، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الشتاء في نوفايا زيمليا شديد البرودة، ولكن بحلول الربيع، يعتقد أن احتمالات اختبار روسيا هي «ربما 50/50».

أما أندريه باكليتسكي فهو أكثر تشككاً في أن روسيا ستجري تجربة نووية، لسبب واحد، كما يقول، أن روسيا تظل من الدول الموقعة على المعاهدة مثل الولايات المتحدة ويقول: أنا متأكد تماماً من أنه لو كانت روسيا أرادت بذل قصارى جهدها واختبار جهاز نووي، لكانت قد انسحبت من المعاهدة بالكامل.

وعلاوة على ذلك، يقول إن روسيا تعهدت بمواصلة تشغيل معدات المراقبة النووية الدولية التي تم وضعها في أراضيها من قبل منظمة معاهدة حظر التجارب النووية. وتواصل روسيا تشغيل 32 محطة من أصل 321 محطة مراقبة تابعة لشبكة مراقبة الاختبارات العالمية، والعديد من المحطات الروسية مهمة لمتابعة التطورات في أجزاء حساسة من العالم مثل كوريا الشمالية والصين وإيران، ولكن باكليتسكي ولويس يحذران من أن المعايير التي حدت منذ فترة طويلة من تطوير الأسلحة النووية بدأت بالتلاشي.

وأعتقد أننا نمر بفترة خطرة للغاية من عدم اليقين، إذ يمكن أن تسوء الأمور بالنسبة لنا إذا لم تتدخل المنظمات الدولية في الحفاظ على الأمن والسلم الدولي عن طريق المبادرات والتشريعات القانونية التي من شأنها أن توقف التجارب النووية بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

* باحث في شؤون الطاقة المتجددة