لا يمكن لهذا السحر أن يبطل، ولا لهذه الدهشة ألا تثيرنا وإن تكررت، ولا لهذا الجمال أن يتوارى.. هكذا تيقنت تماماً أن الصورة ستظل باقية، متصدرة، قادرة أن تفعل بخيالنا ما لا يفعله سواها.

هذه هي الفكرة التي تهادت في خاطري أثناء الإبحار في تفاصيل الصور المعروضة بحفل تتويج الفائزين بجائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي، الذي احتضنته كالعادة دبي أوبرا نهاية الأسبوع الماضي، فقد كانت الصور المعروضة مبهرة للحاضرين، نجحت في نسج وصال معهم، وأخذهم في سياق تواصلي معها بشكل فريد، وهكذا هي في كل مرة تأخذنا في محيطها، أو داخلنا بشكل فريد.

الرهان على جماليات الصورة كان ينتصر دائماً بناءً على اتكاء كبير على عنصري المفارقة والدهشة، قياساً بالواقع، لكن في ظل سياق الصور المتدفقة من التقارير التلفزيونية والقنوات والمواقع الإخبارية، فالواقع قد يبدو شاطحاً وأكثر جموحاً من الحدود التي قد تبرزها الصورة الفوتوغرافية ذات الأبعاد الجمالية، وهنا مفارقة أخرى، حتى في هذه الظروف، تنتصر الصورة الفوتوغرافية في معركة الدهشة والإبهار.

في الحقيقة الصورة الفوتوغرافية هي ابنة شرعية للواقع، وليست منفصلة عنه، بل هي عاكسة، وموثقة له، فلماذا يؤثر فينا المشهد المصور فوتوغرافياً أكثر من معايشتنا الفعلية لتفاصيله؟

كيف تنجح الصورة في جذب بانوراما ثرية من الفنانين والأدباء والمثقفين، الأكاديميين والمهنيين، متذوقي الشعر والنثر، المهتمين بالأعمال الإنسانية، والمنتمين إلى تروس الإنتاج الدائرة في القطاعات المتباينة، المارين في طرقات المدينة، والعابرين للقرى والنجوع والأحياء، في الملاعب والجامعات والمدارس، وغير ذلك، الصورة قاسم مشترك في اهتمام الجميع، هي قلب المشهد، بل هي المشهد في أبعاد طولية وعرضية محددة بعناية.

هذه اللحظة التي قام المصور بحبسها في كادره، ونجح في إيقاف الزمن عندها للحظة، مقتطعاً إياها لنا، متيحاً فرصة أكبر من مساحتها الزمنية العابرة، من أجل الوقوف عند تجلياتها، هي أكثر مناسبة، ربما، لإيقاع استيعابنا لما يصاحبها من دلالات ومشاعر، وما تثيره من انفعالات وتساؤلات، لكنها في الغالب تسلمنا إلى ضفاف الدهشة.. الشك.. المزيد من التساؤلات، أكثر مما تنتهي بنا إلى المعلومة وسكينة الإجابات السهلة.

أظن أن الصورة باقية وملتصقة ودائمة الحضور، طالما حضر الخيال أو حتى الواقع البشري، وهذا الحنين الدائم لها، والارتياح في قراءة ما تبوح به، لا يمكن أن يكون عابراً، وستكون دائماً قادرة على إثارة الدهشة، بل والعجب.