«بكل صراحة، وبالروح التي حدت بي على القُدوم إليكم اليوم، فإني أقول لكم إن عليكم أن تتخلوا نهائياً عن أحلام الغزو، وأن تتخلوا أيضاً عن الاعتقاد بأن القوة هي خير وسيلة للتعامل مع العرب. إن عليكم أن تستوعبوا جيداً دروس المواجهة بيننا وبينكم، فلن يفيدكم التوسع شيئاً».
بهذه الكلمات تحدث الرئيس المصري الأسبق أنور السادات في الكنيست الإسرائيلي يوم 20 نوفمبر 1977م.
قبل يومين حلت الذكرى السادسة والأربعون لزيارة السادات للقدس يوم 19 نوفمبر 1977م، والخطاب الذي ألقاه في اليوم الثاني للزيارة، وسط ذهول الذين لم يصدقوا ما قاله في خطابه، الذي ألقاه في مجلس الشعب المصري يوم 9 نوفمبر، من أنه على استعداد للذهاب إلى آخر العالم من أجل إنقاذ دم أبنائه، ثم عندما انفعل قائلاً: «وستدهش إسرائيل حينما تسمعني الآن أقول أمامكم إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم، إلى الكنيست ذاته، ومناقشتهم».
يومها ضجت قاعة المجلس بالتصفيق الحار، وكان من بين الحضور الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، الذي كان مجلس الشعب قد وجه إليه دعوة لحضور الجلسة، وعندما قبل عرفات الدعوة تم إرسال طائرة خاصة حملته إلى القاهرة، وأثناء مغادرة عرفات القاهرة، بعد أن حضر الجلسة، سمعوه يقول: «لقد وضع العمامة فوق رأسي».
العمامة التي وضعها السادات فوق رأس عرفات طارت بعد أن خرجت الطائرة، التي كانت تحمله من المجال الجوي للقاهرة، بفعل العواصف التي هبت بعد إلقاء السادات خطابه ذاك، وازدادت العواصف حدة عندما هبطت الطائرة، التي كانت تقل الرئيس السادات في مطار «بن غوريون» يوم 19 نوفمبر، معلنة بداية مرحلة جديدة في العلاقات المصرية- الإسرائيلية، والعلاقات المصرية- العربية. في ذلك اليوم تغير وجه التاريخ، طُويت منه صفحة، وفتحت صفحة.
ومثلما واجهت فكرة الزيارة معارضة داخل مصر، كان أبرز مظاهرها استقالة وزير الخارجية المصري إسماعيل فهمي من منصبه، فإنها واجهت معارضة من الجانب الإسرائيلي، قادها رئيس الأركان الإسرائيلي مردخاي غور، الذي شكك في الزيارة وقدر أنها استندت إلى مؤامرة مصرية، وأنها كانت عملية احتيال مصممة للتستر على هجوم مصري.
شرح الرئيس السادات فكرته في الخطاب، الذي ألقاه في الكنيست الإسرائيلي، وطالب فيه بحل عادل للقضية الفلسطينية، قائلاً: «أنتم تريدون العيش معنا في هذه المنطقة من العالم.
وأنا أقول لكم، بكل الإخلاص، إننا نرحب بكم بيننا، بكل الأمن والأمان.. لكنني أقول لكم اليوم، وأُعلن للعالم كله، إننا نقبل بالعيش معكم في سلام دائم وعادل، ولا نريد أن نحيطكم أو أن تحيطونا بالصواريخ المستعدة للتدمير، أو بقذائف الأحقاد والكراهية».
ظهرت جبهات الصمود والتصدي لتقف ضد مبادرة السادات، لكنه مضى في تنفيذ مشروعه القائم على السلام، بعد أربع حروب دامية، فاستعاد سيناء دون حرب، وكان بإمكانه أن يحقق للعرب، والفلسطينيين على وجه الخصوص، من المكاسب أكثر مما حصلوا عليه بعد ذلك في غيابه، وأكثر مما يطالبون به اليوم. ما أنكره العرب على السادات في كامب ديفيد عام 1979م ذهب إليه عرفات في أوسلو عام 1993م، وذهب إليه الأردن في وادي عربة عام 1994م، بينما بقيت أرض الجولان السورية محتلة إلى اليوم.
كان قرار الأمم المتحدة رقم 181 الصادر بتاريخ 29 نوفمبر عام 1947م، والمعروف بقرار التقسيم، يوفر للفلسطينيين دولة مساحتها حوالي 11 ألف كيلو متر مربع، وهو ما يمثل 42.3 % من أرض فلسطين، مقابل دولة يهودية مساحتها حوالي 15 ألف كيلو متر مربع، وهو ما يمثل 57.7 % من الأرض، ويضع القدس وبيت لحم تحت وصاية دولية، لكن الدول العربية والإسلامية، الأعضاء في الأمم المتحدة وقتها، كلها رفضت القرار، وصوتت ضده.
اليوم يطالب الجميع «بمن فيهم حماس 7 أكتوبر» بحل الدولتين، الذي ينص على إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967م، الأمر الذي يعني حصول الفلسطينيين على 22 % فقط من أرض فلسطين، بينما تحصل إسرائيل على 78 % من الأرض!
ألا تتفقون معي على أننا نتفنن في إهدار الفرص الأكبر، ثم نجري وراء فرص أصغر وأصغر وأصغر؟